الملاحظات القاسية التى أبديتها فى هذا العمود –صباح السبت الماضى (21 مايو)-عن الأداء المتواضع للسيد شريف فتحى وزير الطيران فى معالجة مأساة سقوط طائرة مصر للطيران يوم الخميس الماضى(19/5)، خاصة فى المؤتمر الصحفى الذى عقده ظهر نفس اليوم ، و التى اتفق معى فيها د. عمرو الشوبكى فى مقاله بالمصرى اليوم (22/5)..اعتقد انها تعيد إلى الأذهان موضوعا شائعا عن المفاضلة بشأن اختيار الوزراء بين الوزير الفنى أو المهنى أو التكنوقراطى، وبين الوزير السياسى. لقد عرفت مصر فى حقبتها الليبرالية قبل 1952 الوزير السياسى، أى ذلك الوزير الذى يمتلك رصيدا سياسيا قويا من خلال مؤهلاته وأنشطته فى الحياة السياسية والحزبية، وتبنيه أفكارا سياسية ليبرالية كانت أم اشتراكية أم قومية...إلخ، وهذا الوزير لا يشترط أن يكون متخصصا فنيا فى الوزارة التى يتولاها و إنما الاهم هو أن يمتلك رؤية وأفكارا خلاقة حول دورها وتطوير وظائفها...إلخ. وإذا ألقينا نظرة مثلا على وزارات الوفد فى الحقبة المشار إليها نجد أن وزارة الداخلية تولاها سعد زغلول ومصطفى النحاس و أحمد لطفى السيد وعلى ماهر...إلخ و لم يتول ضابط شرطة وزارة الداخلية إلا فى عهد الرئيس السادات مع تعيين ممدوح سالم وزيرا للداخلية عام 1971، حيث استمر ذلك التقليد حتى الآن . بل إن الأمر نفسه ينطبق على وزارة الحربية (الدفاع فيما بعد)، فإلى جانب الاسماء العسكرية البارزة التى تولتها، ومعظمهم برتبة فريق أو لواء، كانت هناك أسماء مدنية تولت تلك الوزارة مثل على ماهر باشا الذى هو سياسى ذو خلفية قانونية، ومثل اسماعيل شيرين الذى درس الاقتصاد فى اكسفورد وكان آخر وزير للحربية قبل ثورة يوليو 1952. لقد هجرت مصر عهد الوزراء السياسيين ليكون وزير الإسكان مهندسا، ووزير الأوقاف عالما أزهريا، ووزير الخارجية سفيرا، ووزير السياحة مديرا لمكتب سياحى أو مرشدا سياحيا، ووزير الصحة طبيبا، ووزير الطيران المدنى طيارا او مضيفا...؟! غير ان من المهم القول إن التحول إلى الوزير السياسى يرتبط أساسا بازدهار وترسخ النظام الحزبى التعددى ليكون حجر الزاوية فى النظام السياسى، وهو مالم يتحقق حتى الآن للاسف الشديد!