المساء
محمد جبريل
ع البحري- فتش عن السي آي إيه
تروي إيزابيل الليندي في روايتها "بلدي المخترع" ظروف مقتل عمها سلفادور الليندي. رئيس جمهورية شيلي الأسبق. دافعت عنه كما قد تفرض صلة القرابة. لكنها اعتمدت الموضوعية في روايتها. بل إنها أدانته في الكثير مما روته. وأخطر ما في إدانتها أن الرجل لم يكن واقعي التفكير. ولم يحسن مواجهة التآمر. ولا أجاد ألاعيب الساسة. بل إن تشدده أملي عليه أن يهمل إنذار من حوله. بأن طائرات سلاح الجو ستقذف القصر الجمهوري - حيث يقيم - بقنابلها. أصر الرجل أن يظل داخل القصر. تأكيدا للشرعية. وكان الأجدر به أن يحافظ علي حياته. باعتباره رمزا للديمقراطية التي يدافع عنها. القرآن الكريم يحثنا علي الجهاد. لكنه يحذرنا من أن نلقي بأنفسنا إلي التهلكة. وذلك ما فعله - للأسف - سلفادور الليندي.
ما يهمنا في رواية إيزابيل الليندي أن المؤامرات التي عاني العم رئيس الجمهورية نتائجها البشعة. لم تكن وليدة الداخل. لم تكن صادرة عن الأغلبية العظمي من أبناء شعبه الذين وجدوا فيه الأمل لحياة ديمقراطية وحرة. إنما كان قوامها كبار رجال الأعمال الذين تحالفوا مع المخابرات الأمريكية. فساندتهم في نشر الفوضي ما بين مظاهرات وإضرابات واعتصامات وعمليات اغتيال. ثم يدخل قائد الجيش بينوشيه - بتأييد أمريكي معلن - لتبدأ شيلي عهدا دمويا قاسيا. رغم اسقاطه فيما بعد. فإن شيلي لم تبرأ من تأثيراته السلبية حتي الآن.
التصرفات الروتينية - إن جاز التعبير - للمخابرات المركزية الأمريكية. قد تبدل المواقف لعدد ممن كانت تخلو قوائم أعدائها من اسمها. ولعلي أشير إلي عملية خليج الخنازير التي انتصرت فيها الثورة الوليدة علي عملاء المخابرات الأمريكية. وكانت الخطوة التالية لفيديل كاسترو - عقب ذلك الانتصار - هي اقترابه من الاتحاد السوفيتي. والنظام الشيوعي بعامة. بدا النظام الجديد في حاجة إلي مساندة - وهو ما فعلت الولايات المتحدة نقيضه - ووجد الدعم الفعلي من موسكو بالأموال والسلاح. بل إن سحب موسكو لصواريخها من كوبا. كان وفق شرط - قبلته واشنطن - بعدم لجوء البنتاجون إلي مهاجمة كوبا.
والقارئ لمذكرات كاسترو عن الأعوام التي سبقت اسقاط باتستا. تروعه المؤامرات التي واجهها كاسترو من "أنصاره" الشيوعيين. وتخليهم عنه في أثناء المعارك.
الصورة تتكرر في الكثير من دول العالم التي سعي مثقفوها إلي التغيير. بداية بالمقاومة السلمية. وانتهاء بالثورة المسلحة. وجدوا المخابرات المركزية الأمريكية في انتظارهم لتعيد كل شيء إلي مكانه. ولتفرض ابتزازها وسطوتها الاقتصادية والسياسية. وربما العسكرية.
لعلي أدعوك إلي مراجعة قصة الثورة المصرية. منذ اطمأن السفير الأمريكي جيفرسون كافري إلي نياتها. والعداء المعلن بين قيادات الثورة وممثلي التنظيمات اليسارية "أذكرك بيوسف صديق وخالد محيي الدين". لكن الصورة تبدلت بالإلحاح الإسرائيلي علي البيت الأبيض. ليواصل تغاضيه عن التصرفات الإسرائيلية. فضلا عن تهديدها للسلم في المنطقة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف