عماد رحيم
الكهرباء تضع العربة أمام الحصان!
كم الانجازات على أرض الواقع مبهجة، لدرجة تدعو للتفاؤل، لاسيما وأن الفترة التى تحققت فيها قصيرة، بما يعنى أنه
ما كانت سترى النور إلا بوجود إرادة قوية وعزيمة فولاذية، وتسلل الأمل لقلوب المواطنين رويداً رويداً صوب مشاهدة واقع أكثر إشراقاً فى إطار من الشفافية والموضوعية.
ومن ثم يكون الحديث عن زيادة بعض الأسعار مقبولاً لجموع المواطنين بعد أن لمسوا انجازاً غير مسبوق خاصة فى مجال الكهرباء والطاقة، قضت على عجز شاهدناه فى الفترات السابقة، حيث كان التيار الكهربائى ينقطع لمدة تصل إلى 10 ساعات يومياً، وهى فترة أصابت الناس بالضيق الشديد فلا حياة متقدمة بدون كهرباء، اليوم تبدل الحال تماما وفى خلال تلك الفترة البسيطة استطاعت مصر أن تحول العجز إلى وفر، وهذا الأمر استلزم الكثير من النفقات الضخمة، كما استلزم بالتبعية تحريك أسعار الكهرباء، لذلك أعلنت وزارة الكهرباء عن حزمة أسعار جديدة بداية من يوليو القادم لكى يتماشى مع سياسة رفع الدعم التى أعلنتها الحكومة.
وهنا أود الاشارة إلى بعض النقاط المهمة التى من شأنها أن تضيف لموازنة وزارة الكهرباء جزءا من الأموال للمساعدة على مواجهة نفقات التطوير والتحديث فى شبكاتها:
أولا، ضرورة تغيير طريقة التعامل مع العشوائيات بشكل جذرى، فى الماضى القريب كان المواطن مجبراً على سرقة التيار الكهربائى، خاصة إذا كان يقطن منطقة عشوائية خارج نطاق التخطيط العمرانى، بما يعنى عدم وجودها بشكل رسمى على خريطة المرافق، فيضطر مرغما لسرقة الكهرباء، ثم تأتى شرطة الكهرباء لعمل محضر سرقة تيار مباشر بقيمة تقديرية، فى الأغلب غير دقيقة نظراً لعدم وجود عداد لحساب الاستهلاك الفعلى، فيذهب المواطن لدفع قيمة الغرامة فى خزانة الكهرباء ليدخل فى حسابها المالى جزءا منها وتحول لصالح شرطة الكهرباء جزءا آخر، وهنا نتوقف قليلا لماذا يحول لهم هذا الجزء، هل بسبب الجهود الجبارة التى بذلوها فى اكتشاف سرقة التيار الكهربائى، مما يوجب إعطاءهم مقابل يفوق أجرهم الطبيعى الذى يتقاضونه عن عملهم، مما جعل شرطة الكهرباء هى الأعلى دخلا بين كل إدارات الشرطة على الإطلاق، وأجدنى أطرح سؤالاً مباشراً، مواطن سرق تيارا كهربائيا مما كان له أثر سيء على جهد الشبكات بالإضافة إلى ضرورة أن يدخل قيمة هذا التيار المسروق بالكامل إلى خزينة وزارة الكهرباء من أجل تحسين الخدمة، لماذا يحول جزء من قيمة هذا التيار المسروق إلى جهة أخرى بخلاف وزارة الكهرباء؟!
ثانياً، الآن أصبح مسموحاً لقاطنى المناطق العشوائية توصيل التيار الكهربائى بنظام العداد الكودى المشحون مسبقاً وهى فكرة جيدة، فكم نادينا بأن تستفيد الدولة من الأوضاع الراهنة بشكل ما وتقننها، وبدلاً من سرقة التيار يتم توصيله بشكل سليم بل والمحاسبة على الكم المٌستهلك منها أولا بأول بشكل شفاف وعادل.
المشكلة الآن تكمن فى ضرورة عمل محضر سرقة تيار مباشر كشرط أساسى لتقديم طلب الحصول على عداد كهربائى!! نعم إذا أردت الحصول على عداد كهربائى يحسب لمقدم الطلب ـ الشريف ـ الاستهلاك بشكل سليم، أكرر يجب عليه أن يسرق التيار الكهربائى أولاً، ثم يتم عمل محضر سرقة تيار كهربائى ويتم إرفاق هذا المحضر مع الطلب الخاص بتركيب العداد!
لتدور الدائرة الأكثر غرابة، يتم تحصيل قيمة المخالفة ـ سرقة التيار الكهربائى ـ وهذه المرة السرقة بالإجبار، وتلك الطريقة فى التعامل بالطبع تكره المواطن الملتزم الذى قرر أن يسلك الطريق السليم فى المحاسبة على ما يأخذه من تيار كهربائى بطريقة قانونية، تلزمه أيضا بشكل قانونى على سرقة التيار الكهربائى، لنشاهد وضعا غير منطقى وغير مقبول على الإطلاق، كل هذا ليتم توريد قيمة هذه المخالفة إلى وزارة الكهرباء وبالتبعية تورد جزءا لشرطة الكهرباء!
وللعلم فأنه فى أفضل الظروف يتم تركيب العداد بعد بضعة شهور، أى أن المواطن أُجبر على «السرقة» وتحول إلى حرامى بقوة القانون حتى يتم تركيب العداد.
وللتوضيح بشكل أفضل، يجب العلم بأن «العشوائية» تشير إلى كل العقارات المخالفة وليس فقط المناطق العشوائية، بما يعنى أن هناك عددا كبيرا جدا من الوحدات العقارية المخالفة يصعب حصرها على مستوى الجمهورية، وهو انعكاس طبيعى لفساد المحليات بعد أن سمحت بخروج هذا الكم الهائل من هذه المخالفات العقارية، ولنا أن نتخيل أن هناك عددا كبيرا من المواطنين اشترى وحدته السكنية ثم اكتشف بعد ذلك مخالفة العقار الذى يحويها، وأنه إذا أراد تركيب عداد قبل أن يباشر السكن فى وحدته، عليه أن يسرق التيار هو الآخر لكى توافق له وزارة الكهرباء على تركيب العداد!!
فأى منطق أعوج هذا! ولصالح من يتم إقرار هذه الطريقة الغريبة، التى تجبر الناس على السرقة لمن يرغب توصيل التيار بشكل آمن ومستقيم، وأى قيمة تلك التى نبغى أن نرسخها فى نفوس المواطنين، وكيف يستقيم الوضع بهذا الشكل المستفز، ومتى تكون الأمور فى مسارها الصحيح، وكيف يوافق المواطن على زيادة أسعار الكهرباء وهو يرى هذا التضارب العجيب فى منظومة الكهرباء.
وأخيراً متى نضع العربة خلف الحصان وليس أمامه!