التحرير
عمرو حسنى
بلطية في بحيرة تماسيح
أن تكون فتاة مصرية يشبه أن تكون بلطية جميلة مفزوعة تسبح فى بحيرة تجوس فيها تماسيح متوحشة. شوارعنا تعج بالمتحرشين ليس كنتيجة لحرمانهم بالكبت وتأخر سن الزواج فقط، ولكن أيضًا لأن عقل المجتمع يزدحم بأوهام التفوق الذكورى الذى لا تؤكده حقيقة علمية واحدة. سيكولوجية التحرش بالأنثى تتشابه كثيرًا مع سيكولوجية الاضطهاد العنصرى.

كلاهما يستند إلى أكذوبة التفوق. المجتمعات العنصرية كانت تبرر اضطهادها لأصحاب البشرة السوداء بأن عقل الإنسان الأبيض أكبر حجمًا من عقل الإنسان الأسود، الذى لا يجيد التعلم والابتكار، ولا يبرع إلا فى استخدام قوته العضلية التى يجب أن يوجهها الإنسان الأبيض المتفوق إلى الخير، لأن العرق الأسود مجبول بطبيعته على الشرور والملاوعة والكذب!



وهى أسطورة بغيضة بررت استعباد السود لقرون طويلة. الأسطورة البغيضة الأخرى تدور حول تفوق الذكر بشكل عام على المرأة بغض النظر عن العرق. أى أن الرجل الأبيض يتفوق على المرأة البيضاء، وبالمثل فالرجل الأسود، المستعبد من الرجل الأبيض والمرأة البيضاء، يتفوق بدوره هو الآخر على المرأة السوداء! فتكون النتيجة أنها تستعبد مرتين! مرة من الرجل الذى يشترك معها فى العرق، وأخرى من العرق الأبيض برجاله ونسائه! إنها علاقات استعباد مركبة.

النظرة الإستعلائية الذكورية تصل فى جبروتها إلى اعتبار أن الأنثى ثوب ناصع البياض تدنسه بقعة سوداء واحدة مهما صغر حجمها، بينما ترى أن الرجل يرتدى درعًا من "التيفال" لا تلتصق به الأوساخ مهما فعل! دعاوى التخلف منزوعة الإنسانية ترتبط كلها بصورة عضوية مع بعضها البعض.



مزاعم التفوق العرقى لا تختلف عن مزاعم التفوق الذكورى، ومزاعم التفوق الدينى. من المستحيل أن تجد شخصًا عنصريًّا ذكوريًّا ومتطرفًا دينيًّا يتبنى منح حقوق المواطنة الكاملة للجميع بغض النظر عن العرق والنوع والدين. نظرية التفوق الأخلاقى "لأبناء الذوات" هى الأخرى لا تختلف كثيرًا عن نظريتى اضطهاد المرأة واضطهاد الجنس الأسود.

العنصرية المضادة التى تنشأ فى أوساط من يتم اضطهادهم لمحاولة إعادة التوازن باختلاق تفوق مضاد بكتابات ودراسات تشير لتفوق المرأة والجنس الأسود لها ما يبررها بالطبع، ولكنها لا تفيد فى قضية التطور الإنسانى بشكل عام، لأنها ترتكز فى نضالها على استخدام منطق الخصم، وهو الأمر الذى يفقدها جزءًا كبيرًا من إنسانيتها ومصداقيتها.

لذلك فدائمًا ما أرى أن النضال لتحرير الإنسان بصورة عامة فى المجتمعات التى تفتقر إلى العدالة أقوى من النضال لتحرير المرأة فقط، رغم أهمية وجود التيارات التى تدعو إلى إنصاف المرأة وضرورة دعمها. ذلك لأن النضال لتحرير الإنسان يحتوى بداخله على النضال لتحرير المرأة لكونه أشمل منه.

المجتمعات التى يتحرر فيها الإنسان ويحصل على حقوقه كاملة تتحرر فيها المرأة والأقليات بالتبعية، وهذا ما أثبتته التجربة الإنسانية فى مجتمعات تحرر فيها العقل، وسادت قيم المواطنة والمساواة فكانت هى القاطرة التى جذبت المرأة، وذوى البشرة السوداء، والأقليات الدينية وأخرجتهم معًا من مستنقع العنصرية والذكورية والاستعلاء العقائدى.

استمعت منذ سنوات بعيدة فى مدينة العريش إلى إمام مسجد يقول فى دعاء خطبة الجمعة: الحمد لله الذى خلقنا ذكورًا ولم يخلقنا إناثًا نحيض ونتدنس ويحرمنا من فضل عبادته فى كل الأوقات! ومن خلفه ردد المصلون بصوت جهورى آاااااااامين! لم يسأل ذلك الشيخ نفسه على أى أساس تم تفضيل نطفة عن أخرى قبل خلقهما؟ تلك الفكرة الفاسدة لا يدرك أصحابها أنها تسىء إلى الألوهية عندما تضع الذكر المجرم فى مرتبة أفضل من المرأة الفاضلة، لأن نطفته تم تكريمها قدريًّا بالذكورية!

قيمة الثورات أنها تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية التى تظلل الجميع لأنها الطريقة الوحيدة لتحرير الإنسانية من قيود الاستعلاء الدينى والذكورية والعنصرية.

إذا أردت أن تشعر بعبثية غياب العقل فى بعض المجتمعات فلك أن تتخيل أن حال السمكة البلطية البيضاء التى تسبح فى بحيرة مليئة بالتماسيح أفضل كثيرًا من حال الفتاة ذات البشرة الداكنة التى تنتمى لأقلية دينية، وتعيش فى مجتمع عنصرى ذكورى يعج بوحوش مختلفة الأنواع يتوهمون تفوقهم فى العرق والنوع والديانة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف