التحرير
أحمد عبد التواب
مخاطر التقاعس مع انتهاكات الإنترنت
لا يعرف كثيرون على الإنترنت من أصحاب الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى، مثل فيس بوك وتويتر، ومن المعلقين، وممن لهم وجهات نظر فى الشأن العام، أن هناك ما يُسمَّى فى عالم الصحافة والإعلام بالنقد المُباح، وأن له حدوداً، وأن من يتجاوزها يقع تحت طائلة المساءلة القانونية، والتى لا تجدى معها أى حجج تتمسح فى حرية التعبير وما إلى ذلك، لأنه، وببساطة، غير مسموح أن يتحايل البعض على الحق الدستورى الذى يكفل حرية التعبير وأن يأخذها أداة لارتكاب ما يُعاقِب عليه القانون.

والحقيقة واجبة التسجيل أن حق النقد المباح كان نتيجة نضال حقيقى للصحفيين فى مصر، وللأمانة، فقد سبقهم الصحفيون فى الغرب، وقد دفع كل هؤلاء ضريبة باهظة، حتى تحصلوا على هذا الحق، الذى صار مقروناً لدى الصحفيين بالمسئولية وهم ينشرون أخباراً ومتابعات وآراء يجب أن يكون فيها الالتزام عالياً فى دقة المعلومات، وأن تراعى الصياغة عدم التجريح فى الشخص المعنى وإنما ينحصر النقد فى أدائه، وفى كل الأحوال ينبغى أن يتجلى العمل الصحفى بأقصى الوضوح فى حُسن النية والرغبة المخلصة فى الصالح العام، وهذه الأخيرة هى شفيع الصحفى أمام القضاء إذا لم تكن المعلومات دقيقة بخطأ غير متعمَّد من الصحفى.

وهذه أول وأهم الدروس التى يتلقاها نظرياً طالب الصحافة ثم يتدرب على الالتزام بها منذ خطواته الأولى فى المهنة.

وأما لدينا، وفى هذه الأيام، على الإنترنت، فإن الملاحظة الواضحة المتكررة بكثرة هى التطاول بالسباب المقذع على المختلف فى الرأى، لا فيما يخص رأيه وإنما فيما ينال من شخصه، ومن علمه وخبرته، ومن عِرضه، ومن كرامته، إضافة إلى ما هو شائع فى ثقافة الشارع المنفلتة بالسباب المتطاول على الأم فى شرفها..إلخ

وفى الاعتراض على سياسات المسئولين بخصوص الشأن العام، يتورط الخطاب بسهولة وسرعة فى الاتهامات الكبرى والوصم بالخيانة، مما يضع المسئول فى حرج بالغ، لأنه إذا

سكت كان يعترف ضمنياً بصحة التهمة، وإذا بادر باستخدام حقه فى التقاضى، جعلوه عدواً لما يسمونه حرية النقد، وترتفع وتيرة الهجوم عليه، بانه لا يصلح للعمل العام، وأن عليه أن يغادر منصبه وأن يتركه لمن هو أفضل! وكأن الأفضل هو المتهاون فى حقه الشخصى وفى كرامته وفى سمعته وفى صورته أمام أبنائه وذويه وجيرانه!

دع عنك أن كثيرين من المتطاولين يتخفون وراء أسماء مستعارة، بما يعنى افتقادهم للشجاعة الأدبية وللمواجهة ولتحمُّل المسئولية عما يقولون. وعلى الرغم من أهمية كل هذا، فإن الأخطر هو أن هذا الاتجاه يتنامى ويشدّ مناخ الحوار إلى الوراء ويدفع به إلى الأسفل، مما ترتب عليه أن هذه الوسائط الجديدة للتواصل، والتى تفاءل بها مفكرون من الشرق

والغرب وأعربوا عن آمالهم فى قدرتها على بلوة رأى عام مفيد فى القضايا العامة، إلا أنها انقلبت لدينا إلى النقيض وصارت عامل تفتيت للآراء واستبعاد وإبعاد لمن ينأى بنفسه عن أن يكون عُرضة للامتهان.

وقد سبقتنا إلى حد كبير بعض الدول الديمقراطية، وحسمت الأمر بتجريم مثل هذه الأفعال، وبعدم التهاون فى تحريك دعاوى قضائية ضد من يقترف جرائم على وسائل التواصل الاجتماعى، وصدرت بالفعل مؤخراً أحكام راعة فى دول مثل ألمانيا وفرنسا وأمريكا، فى إدانات بجرائم السباب ونشر الشائعات الضارة وتبنى خطاب الكراهية والسخرية من جيش

البلاد وتأييد داعش..إلخ، ووصلت بعض الأحكام إلى السجن بمدد تتراوح بين 3 سنوات و11 سنة! ولم يشفع لبعض المتهمين أنهم حديثو السن لم يبلغوا العشرين!

وأما لدينا، فإن الأزمة مركبة، وأيضاً مربكة، حيث لا يزال هنالك صوت عال يعتبر هذا التطاول مما يحميه الدستور فى حدود حرية التعبير، بل يعتبرونها من إنجازات الثورة! وهناك أيضاً سلاح الابتزاز الفاعل منذ فترة فى العمل العام، الذى تُشَن به، وبنفس الطريقة المستهجنة، حرب ضروس على من ينتقد هذا التدهور بأنه من أعداء الثورة، وأنه ضد الحريات التى دفع الشعب دمه وأرواح أبنائه فى سبيلها..إلخ إلخ، وطبعاً مع تشكيلة من التهم عن العمالة للحكم وعن عبادة البيادة..إلخ

الآن، وفى الممارسة العملية، فإن هذا النوع من العدوان مستمر ويزداد رسوخاً. وعلى الناحية الأخرى فإن ضحاياه لا يُردّ لهم الاعتبار، كما أن الحوار العام لا يكسب ما كان مفترَضاً، بل ربما خسر بإيهام بعض المتابعين بمؤشرات خاطئة يبدو فيها أصحاب الصوت العالى كما لو كانوا هم الأغلبية. وهذا ليس صحيحاً دائماً.

هنا يجد أعداء الحريات مادة تعينهم على مواصلة السعى نحو هدفهم بتكميم الأفواه وبكسر الاقلام، خاصة بما صار لديهم من إحساس لدى عامة الناس برفضهم هذه البذاءات، وهو ما سوف يستغله أعداء الحريات، أو ما بدأوا استغلاله بالفعل، مع المداراة الكاملة عن حقيقة هدفهم الذى لم يفقدوا الأمل فى تحقيقه منذ عقود، وهو إصدار المزيد من التشريعات المكبلة للحريات بعد أن يقنعوا الرأى العام أن هذه الحملات المتطاولة البذيئة يجب أن يوضع لها حد، وأن هذا لن يتحقق إلا بوضع ما يسمونه ضوابط، وهى فى الحقيقة قيود لا يهمها أن تسود الأخلاق الحميدة وإنما أن يتوقف عمل الصحافة والإعلام الذى يكشف فسادهم واستبدادهم وعدوانهم على حقوق الشعب..إلخ إلخ

ومن المؤكد أن نجاح أعداء الحرية فى سعيهم يكون مُرّجَّحا أكثر إذا لم يبادر الصحفيون والإعلاميون بأنفسهم بعمل جاد يستهدف علاج الظاهرة المرفوضة فى إطار الحرص على تدعيم حريات الصحافة والإعلام، التى باتت مهددة من فوضى الإنترنت التى تغوى المتهورين على ما من شأنه أن يشكل هذه الأخطار على المجتمع والصحافة والإعلام.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف