التحرير
سلوى الحمامصى
فيها حاجة حلوة
إحساس ربما تشاركنى فيه عندما تعود لبلدك بعد طول غياب وقد غلبتك نسائم الحنين.

هأنذا فى مصر الحبيبة الغالية، أتجول فى شوارعها وطرقاتها، أجدنى أنظر إلى كل وجه يقابلنى، أتمعن فيه جيدا، طفلا كان أم رجلا، أم امرأة، أسلم عليهم بعينى، وكأنى أقول وحشتونى كما غنت وردة منذ زمن... (وحشتونى وفكرتونى باللى فات).

كلما ذكرت لأحد أنى عائدة وسألت عن أحوال البلد، بعض الإجابات كانت إيجابية، وبعضها كان سلبيا، منهم من قال إن الأحوال فى تحسن ملموس، ومنهم من قال: عندما تعودين لمصر ستصدمين! وكنت أقول لِمَ أصدم؟ لعله يكون خيرًا ولا أرى إلا كل جميل.

لأول وهلة أثارت انتباهى الطرق الجديدة المتفرعة من الدائرى، ومن وإلى المطار، المبانى التى كانت تحت الإنشاء انتهت وامتلأت بالسكان، ورصفت طرقها ورصّت على جوانبها المتاجر المختلفة بتصميماتها الأنيقة.. عمار يا مصر.. الخبز البلدى والفلافل وكل المأكولات المصرية، متاجر التسوق الحديثة منتشرة فى الأنحاء.

كنت لا أملك إلا الابتسام لكل وجه أتعامل معه.. نسيت أن المصريين لا يبتسمون كثيرا، يسيرون متجهمين، ولكنى كنت أبتسم، خاصة وأنا أتابع طفلة صغيرة تلهو حول مائدة جلست عليها أمها فى أحد المطاعم، وفجأة جرت الأم لطفلتها التى لم تعد الثانية وصفعتها بشدة، فانفجرت الطفلة باكية وحملتها الأم لتجلسها على المقعد المجاور لها، وقد تركتنى فاغرة الفاه من هول الصدمة.
فكرت أن أتوجه إلى الأم التى بدت لى صغيرة هى الأخرى وألقّنها درسا فى كيفية التعامل مع الأطفال وكيفية تأديبهم برفق، ولكنى فوجئت بزوجها يجلس جوارها ويحمل الطفلة وهو يحاول تهدئتها، العجيب أنه لم ينظر لزوجته نظرة لائمة، لم يعترض على الإطلاق ولم تصدر عنه أية إشارة امتعاض أو غضب، وكأن ذلك السلوك معتادا وأن الطفلة أرهقتهم من شدة شقاوتها وجرمها لمجرد التجول قرب المائدة فى المطعم، لم يكن بالطبع هناك مجال للتدخل بالنصح وزوجها حاضر، وقد كان أولى بنصحها.
فكرت قى أنه لو هذا السلوك حدث فى دولة متقدمة لقام أحدهم بالإبلاغ عن هذه الأسرة بتهمة سوء معاملة الأطفال ولاتخذ ضدهم إجراء إذا ما تكرر هذا العنف منهم مع طفلتهم.
دعوت بعض الأصدقاء للجلوس على النيل فقد افتقدته لسنوات وكنت أحن إليه كلما رأيت نهرًا فى مكان ما، أقول: نيلنا أجمل وأطول أنهار العالم، ورغم الحر الشديد بالنهار فإن الجو أصبح أكثر لطفا فى المساء، وكنت أنظر إلى صفحة المياه المتلألئة تحت أشعة الغروب الوردية وأنوار المقاهى المقامة بطول النيل والتى زحمت ضفافه فلم تترك مجالا لسير المارة، وفجأة انطلقت أصوات مزعجة جدا لمكبر صوت يبث أغانى شعبية راقصة، وتبينت أنه يأتى من المراكب الصغيرة التى تتجول براكبيها فى النهر لتمتعهم بمشاهد النيل وتلوث سمعهم بهذه الضوضاء.
اعتراضى بالطبع ليس على أغانى التراث الشعبى التى أحترم كثيرًا منها ولكن اعتراضى على التلوث السمعى الذى انطلق فى سماء القاهرة ليضيف إلى أصوات منبهات السيارات وموتوراتها، فلا تجد ملجأً تهرب إليه، فأنت مضطر كرهًا إلى مواصلة التعرض لهذا الصوت العالى، رغمًا عن أنفك.. وتساءلت: أين يذهب المواطن المصرى عندما يرغب فى جلسة يريح فيها ذهنه على نهر النيل؟
ولماذا يجبر على سماع هذا التلوث السمعى الذى يشوه جمال القاهرة؟ وكيف لا يدرى به المسؤولون عندما يتجولون فى شوارعها؟
إن قرارا بسيطا بتوقيع غرامات على استخدام مكبرات صوت فى المراكب والمقاهى يقينا شر هذا السوء..
فيها حاجات حلوة كثيرة، فيها أهلى وأصدقائى، والذكريات الجميلة، فيها حب وأمل فى قلوب الكثيرين، وفيها أيضا ملح وحصى، من الممكن أن يقف فى الحلوق... أيها المسؤول... (ابدأ بدائرتك. انظر حولك وأصلح الخربان.. لسه عندى أمل...).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف