محمد سعد عبد الحفيظ
«دكاكين الزور» وصناعة الإرهاب «الوطني»
ضع نفسك مكان أب صدر ضده ابنه حكم بالحبس خمس سنوات، لمجرد أنه عبر عن رأيه وغضب من قرار تنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير إلى آل سعود، فنزل ليهتف “عيش حرية.. الجزر دي مصرية”.. كيف ستكون مشاعرك بعد إحالة ابنك الذي لم يكمل عقده الثاني والمقبوض عليه من الشارع وهو يمارس حقه الدستوري في التعبير عن الرأي إلى دائرة إرهاب يحال إليها من حملوا السلاح وسفكوا الدماء ونفذوا علميات اغتيال لضباط جيش وشرطة؟!!.
هل ستغفوا عينيك وتنعم بنوم وابنك ملقى في غرفة مظلمة بأحد السجون لا تعلم كيف يأكل أو ينام؟.. “اللقمة ماسخة ليس لها طعم.. أعلم”.. زوجتك منهارة تدعو عليك وتحملك مسؤولية سجن ابنها.. الغضب سيطر عليك وكرهت السيسي ونظامه.. تردد في سرك “نستاهل أحنا اللي جبناه وانتخبناه وفوضناه لحد ما حبس ولادنا وضيع مستقبلهم”.
هل بدأت تفكر في الانتقام؟ هل تطاردك كوابيس الدم والنار في أحلامك ويقظتك؟ هل تتمنى سقوط هذا النظام؟ هل تتحسر على حكم المخلوع سيئ الذكر أبو علاء؟ هل تندم على تشفيك في الإخوان وحبسهم بجريمة أو بدون؟.. أقدر مشاعرك، فالأب الذي يغيب ابنه خلف الأسوار ظلما وزوا تنفيذا لأوامر الرجل الكبير الذي أعلنها على مرأى ومسمع من الناس “مش عايز حد يتكلم في موضوع تيران وصنافير ده تاني”، علما بأنه قال في نفس الجلسة “أقدر وطنية الناس اللي بتغير على أرضها”.
في ذات الزاوية، كتبت قبل أسابيع مقالا تحت عنوان “معادلة تصنيع القنابل البشرية” اسمحوا لي أن أعيد عليكم بعض فقراته:
كلما تغلق بابًا للحرية تفتح نافذة للتطرف والإرهاب، كل مواطن تتم تصفيته دون محاكمة، أو يُغيّب في الحبس لشهور بتهم ملفقة، أو يختفي قسرًا ولا يعرف عنه أحد «طريق جرة»، كل هؤلاء يخلفهم «دواعش» محتملون، مستعدون لتفجير أنفسهم، لو أتاحت لهم الظروف ذلك.
معادلة تركيب «القنابل البشرية الموقوتة» معروفة، انتهاك الحقوق والعصف بالحريات + «مرمطة» كرامة المواطن تحت جزم السادة «البهوات» + تجميد عملية التطور الديمقراطي + وضع القانون والدستور في ثلاجة «محاربة الإرهاب»، يضاف إلى ذلك الجهل وذل الحاجة والعوز، فتصبح النتيجة «مواطن جاهز للانفجار».
في لحظة يتشبع فيها هذا المواطن بالكراهية والانتقام، بعد تشييعه جثمان شقيقه المقتول «في مواجهات كما تدعي أجهزة الأمن»، أو يفكر في والده المحبوس، وينتظر تنفيذ حكم صدر في حقه من قاضي الإعدامات، أو أنه تلقى مكالمة من صديقه الهارب والممنوع من العودة إلى وطنه، يخبره فيها بمرارة الغربة وحنينه إلى أطفاله، في لحظة من تلك اللحظات تضغط أي جهة على زر التفجير، فتتطاير أشلاء «القنبلة البشرية» في وجوه الكل، وتأخذ معها أرواحًا بريئة لا ذنب لها، وتخلف يتامى وأرامل، متشبعين بمشاعر الكراهية والانتقام ضد فئة من فئات المجتمع، فتظل عجلة الدم في الدوران.
الأنظمة التي تبشر شعوبها بأنها ستخطو على طريق الديمقراطية، بعد تحقيق الأمن والتنمية، تستغفلها وتصنع قنابل بشرية «دواعش» جاهزة للانفجار.. والشعوب التي عرفت طريق الميادين، قد تصبر تحت ضغوط لقمة العيش وإنهاك اللف في شوارع الثورة، لكنها لا تصبر كثيرًا.
انتهى
صديقي المحامي الكبير عمر الشال، كتب هذه الكلمات في صفحته على “فيسبوك”:
“أليس فى هذه البلاد رجل صالح أصلى خلفه”، قالها ابن إياس من خمسمائة عام على لسان أحاد الناس ظلم من حكم قاضى قضى بحبسه بناء على شهادة زور وهو يعلم بتزويرها لأنه قضى بحكمه فى أحد دكاكين شهود الزور التى كانت منشرة فى ذلك الزمان وكان يتخذها البعض حرفة ومصدر للرزق.
لم يتغير المشهد كثيرا حتى الآن، فمازالت تصدر الأحكام على “ورد الجناين” بالسجن بتهمة حب مصر.. ومازالت دكاكين شهود الزور تعمل بهمة ونشاط.
تيران وصنافير مصرية.. رغم أنف دكاكين الزور.