الأهرام
جمال زهران
إسقاط الطائرة المصرية .. محاولة لإضعاف مصر الفاعلة
فى الأسبوع الماضى تناولت بالتحليل نظرية الاضعاف العمدى للقوى الاقليمية الفاعلة، فى مقدمتها كانت العراق عام 2003م،
ثم سوريا، والدور على مصر، ورغم نجاحهم فى العراق، فإنهم لم ينجحوا فى سوريا ولا فى مصر حتى الآن، كما أنهم لم يكفوا عن المحاولة فى ذلك، ويقينى واضح أنه لولا التغيرات الحادثة فى النظام الدولى وهيكل القوى السائد فيه، حيث عادت روسيا بديلة عن الاتحاد السوفيتى كقوة عظمى قادرة على المنافسة وقادرة على كبح جماح القوى الغربية، ما كان لهذا المشروع الاستعمارى أن يتوقف، وهو الذى سبق أن أعلنته بكل بجاحة وفجور سياسى استعلائى، «كونداليزا رايس».. وزيرة الخارجية الأمريكية ـ عما سمته «الفوضى الخلاقة» وإعادة بناء المنطقة تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد»، تجاوبا مع مسمى شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل آنذاك بنفس الاسم ومطبوع فى كتاب ـ وكان الطرح الأمريكى على لسان وزيرة الخارجية عام 2005، ينطلق من أن النظام الدولى تحت سيطرتها تماما، وترى أن من حق صاحب القوى أن يفرض ما يشاء فى الوقت الذى يريد على الآخرين، ما يتفق مع مصلحته واستراتيجيته، حيث إنه لا يوجد للولايات المتحدة منافس دولى يستطيع أن يوقفها عما تريد تنفيذه، أو يعوق تنفيذ استراتيجيتها فى المنطقة.

ومن هنا، فإن القول بأن ظهور «روسيا العظمي» فى ساحة النظام الدولى ابتداء من العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، كان عاملا رئيسيا ـ وليس وحيدا ـ فى شل الغرب عن مواصلة التدخل السافر فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وإعادة هيكلتهما ـ واستطيع أن استشهد بوقائع انفردت بها الولايات المتحدة بدعم أوروبى كامل، الأولي: ذلك التدخل فى أفغانستان واحتلالها واسقاط نظام طالبان على خلفية دعم الإرهاب وتنظيم القاعدة وأحداث 11 سبتمبر 2001م، والثانية: بعد أقل من عام ونصف عام على احتلال أفغانستان (أكتوبر 2001م) قامت الولايات المتحدة بغزو العراق (مارس 2003م) واحتلاله لإسقاط صدام حسين على خلفية امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل والسلاح النووى (اليورانيوم).. الخ هذه الأكاذيب.

وفى خضم الثورات العربية التى بدأت بتونس (ديسمبر 2010م)، ثم مصر (يناير 2011م)، التى ادعت أمريكا أنها تأتى فى سياق الربيع العربى والفوضى الخلاقة وإعادة ترتيب الأوضاع فى المنطقة وإعادة هيكلة نظمها واستبعاد من انتهت أعمارهم الافتراضية فى الحكم وانتهى دورهم فى الاستراتيجية الأمريكية، سعت الولايات المتحدة وأوروبا الى استغلال المشهد الثورى للتغيير فى المنطقة ببذل الجهود للتحكم فيه وإدارته بما يحقق مصالحهم الاستعمارية وبما يتفادى الوقوع فى شرك التغيير الكامل لمصلحة الشعوب بما يعنى الضرر بهم.

وفى خضم ذلك أيضا سعت أمريكا لاسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا وتفكيك هذه الدولة امتدادا لما حدث فى العراق، وكانت النتيجة الفشل حتى الآن لعوامل سبق أن ذكرناها فى مقالات سابقة وسنؤكدها لاحقا، أما المحاولة الكبرى التى كادت تنجح باكتساح، كانت فى مصر بتصدير مشهد الإخوان فى السلطة ركوبا لثورة 25 يناير 2011م، إلا أن اليقظة الشعبية المدعومة من جيش مصر الوطني، كانت حائلا أمام المؤامرة الاستعمارية على المنطقة مرة أخري، لتسقط فى 30 يونيو 2013م. منذ ذلك الحين، ومصر التى أفشلت المشروع الأمريكي، أصبحت مستهدفة، لتتوالى المؤامرات تلو الأخري، وآخرها حادث «الاسقاط العمدي» للطائرة المصرية المقبلة من مطار شارل ديجول بباريس راح ضحيتها 30 راكبا مصريا وطاقم الطائرة، ومثيلهم من الجنسيات الأخرى أكبرهم عددا مواطنون فرنسيون (15 راكبا). ورغم شفافية الموقف المصرى الرسمي، وعلى لسان المسئولين، وفى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه، وكذلك تكاتف كل القوى حول هذا الحادث باستثناء الشامتين من الإخوان وأذناب الأمريكان والمدافعين عن مصالح القوى الاستعمارية الذين ترتبط مصالحهم الشخصية بهم، فإن هناك من وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، تصر على نشر الأكاذيب وترجيح انتحار الطيار، وشيوع فكرة الخلل الفني، لتحميل مصر مسئولية سقوط الطائرة لشيوع فكرة الدولة الفاشلة التى لا تستطيع توفير الحدود المقبولة لحماية الطائرات، لكن الهدف الاستراتيجى يظل واضحا، وهو الاستمرار فى إضعاف مصر باعتبارها الدولة الفاعلة فى المنطقة، وذلك عن طريق ضرب اقتصادها وضرب السياحة، ووقف أى نمو فى علاقاتها الخارجية مع فرنسا التى أصبحت موردة للأسلحة، ومع ألمانيا كذلك، ومع روسيا، وفى الوقت نفسه ادخالها فى الحظيرة الأمريكية وبيت الطاعة للمشروع الأمريكى الصهيوني، الأمر الذى يؤكد أن 99٫9% من أوراق اللعبة فى المنطقة بيد الأمريكان!! وبالتالى اجبار النظام المصرى الا يتحرك بعيدا عن ذلك، والتفكير فى إطار دعم إسرائيل واستهلاك الوقت بطريقة ما، الأمر الذى لا يؤجج الفكر الناصرى مرة أخري، «أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها»، والسؤال: هل ينجح الاستعمار الأمريكى الأوروبى فى اخضاع مصر الثورتين.. فى اخضاع السيسى الذى يحوز شعبية لا يتمتع بها أى رئيس فى العالم؟؟ وما المطلوب فى مواجهة ذلك للحيلولة دون شل مصر الفاعلة، أو تقزيم دورها القيادى الحتمى والقدري؟

هذا هو السؤال، وعلينا وعلى غيرنا الاجتهاد، وعلى نظام الحكم أن يستمع بعناية فالموضوع كبير جدا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف