اسلام أبو العز
سيادة الرئيس: ماذا تعرف عن السياسة.. في «إسرائيل»؟
طلّ الرئيس أمس الأول ليلعن دون مناسبة أو سؤال عن فرصة كبيرة لتعميم اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وتوسيعها لتشمل كل الدول العربية، مطالباً القيادة الإسرائيلية بإذاعة خطابه، والحقيقة أن اليومين الماضيين في إسرائيل كانت تصريحات الرئيس محل ترحيب وتقريظ في الكيان الصهيوني، على كافة المستويات السياسية والإعلامية بدءا من نتنياهو، وانتهاء بأحزاب المعارضة، حيث أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس عن معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني وضرورة “توسيعها”، لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها إلى عموم الإسرائيليين عن ضرورة الأمن مقابل السلام وإعلان موقفه بصورة مباشرة إلى الإسرائيليين بصفته رئيس مصر حالياً، وقائد للجيش المصري سابقاً، ناهيك عن التوقيت الذي يتوازي مع ذكرى تأسيس الكيان الصهيوني.
(1)
ومع توقعات بلقاء قمة مرتقب بين السيسي ونتنياهو، فإن تصريحات الرئيس تأتي على خلفية دراسة للواقع السياسي في الكيان الصهيوني، نتج عنها موقفه وإعلانه في مناسبة محلية ودون أي سابق إشارة عن عزم السلطة المصرية لعب دور في تسوية مثل التي تحدث عنها أمس؛ لكن على أي حال فإننا نسلم بأن الرئيس قدر موقف ورصد تطورات العملية السياسية وموقف الحكومة والنخبة السياسية من “عملية السلام” وأدرك أنها اللحظة المناسبة لإطلاق هذه التصريحات التي كانت ستصبح مناسبة وضرورية إذا ما كان السابق قد حدث فعلاً!
فالرئيس في خطابه لام على الفلسطينيين انقسام فصائلهم، في إعادة تدوير لخطاب بالي مر عليه أكثر من عِقد من الزمن، مفاده أن “عملية السلام” والطرف الإسرائيلي يجلس على مائدة المفاوضات ينتظر أن يتوحد الفلسطينيون، وهذا في واقع الأمر غير صحيح بالمرة في ظل رفض حكومة نتنياهو أي تفاوض دون شروط مسبقة على رأسها اعتراف الفلسطينيين والعرب بمبدأ “يهودية إسرائيل”، والذي يعني إسقاط حق العودة وإسقاط مسألة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، بل وحتى إسقاط كل الاتفاقيات السابقة التي لم تنص على هذا المبدأ، الذي يعني للإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو أن “قتل أي شخص لا يمكن مقارنته بقتل اليهودي” و”انتخابنا يعني تقليص فرصة وجود الفلسطينيين مستقبلاً في إسرائيل”.
(2)
ترحيب النخبة السياسية الإسرائيلية على اختلاف سلوكها وأسلوبها السياسي، بهذه التصريحات المجانية أتى في وقت يتفقوا فيه على اتخاذ أكثر المواقف تشدداً تجاه أي حديث عن تسوية للقضية الفلسطينية، سواء كان بطريقة اليمين الصلفة العنصرية، أو بطريقة “اليسار” الناعمة المبتسمة؛ فالنخبة السياسية وأحزاب الحكومة الإسرائيلية والإسرائيليون عموماً يرفضون التنازل عن أي شبر من الأرض التي احتلوها حتى سواء 1948 أو 1967، أو طبقاً لاتفاقية أوسلو 1993، حتى ولو كانت هذه التسوية مقابل منافع اقتصادية وسياسية وأمنية ستعود عليهم بعد إحلال “السلام” وتطبيع العلاقات مع الدول العربية وإدماج إسرائيل كعضو فاعل وقيادي في محور “الاعتدال”.
فبالنظر إلى تشكيل الحكومة الإسرائيلية، والنخبة السياسية في إسرائيل وأحزابها، فإن السمة العامة والأهم هو التشدد والمغالاة في إظهار الموقف الأكثر تطرفاً فيما يتعلق بالحديث عن أي تسوية أو مفاوضات مع الفلسطينيين، بل أصبحت هذه السمة منذ انتخابات الكنيست العام الماضي هي الأساس الذي استخدم من قبل أحزاب اليمين في حصد أصوات الناخب الإسرائيلي، حيث اعتمدت هذه الأحزاب على إبراز أنها الأكثر تشدداً في وجه أي تسوية أو أي وجود للفلسطينيين وحقوقهم، وجمع كل الأحزاب المشاركة في الحكومة مبدأ “يهودية الدولة”، الذي يشابه إلى حد كبير مبدأ النقاء العرقي في ألمانيا النازية وطرد كل من يرفضه. على هذا الأساس تكونت الحكومة الحالية، وعليه تستمر، وعليه حصدت ملايين الأصوات من المستوطنين. بل وطوروا هذا الرفض حالياً إلى أحط أشكال العنصرية التي يفوز من يتبنى وجهها الأكثر تطرفاً برئاسة حزب ومقعد في الكنيست وحقيبة في الحكومة، وهو الأمر الذي لم يقتصر فقط على الموقف من الفلسطينيين، بل ويمتد إلى تهديد شعوب عربية أخرى، فعلى سبيل المثال مازال بينهم من يرى في مصر خطورة على إسرائيل، مثل رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيجدور ليبرمان، الذي صرح قبل سنوات بوجوب “ضرب السد العالي وإغراق مصر لأنها أخطر من إيران”، وهو نفسه الشخص الموعود خلال الأيام المعدودة القادمة بتولي وزارة الدفاع الإسرائيلية بشرط أن يوافق نتنياهو على عقوبة الإعدام للفلسطينيين. وذلك بعد خلاف بين نتنياهو ووزير دفاعه الحالي، موشيه يعلون، حول ضرورة معاقبة بعض قادة الجيش الذين صدرت منهم تصريحات عن تطرف وعدوانية القيادة السياسية وتوجهاتها العسكرية!
(3)
إذاً على من يعول الرئيس في إسرائيل ولمن وجه تصريحاته والتي توقع أن سيكون لها مردود إيجابي منهم؟ ربما يعول الرئيس على المعارضة و”اليسار”، في إعادة تدوير لخطاب السادات عشية “كامب ديفيد”. وهنا السؤال الحاسم؛ ماذا يعني المراهنة على خيار ثبت فشله منذ حوالي 4 عقود؟ هل هو إفلاس سياسي وانعدام بدائل أم أن “المعارضة واليسار” في الكيان الصهيوني سيهرولون إلى “السلام” فور وصولهم إلى السلطة وتوحيد الفصائل الفلسطينية؟ التاريخ والحاضر يخبرنا بأن هؤلاء الذي يعول عليهم الرئيس يروا مثل -اليمين وأحزابه- أن الطريق الوحيد لاستمرار إسرائيل هو إدماجها مع محيطها العربي، وحتى هم في تصورهم هذا يرفضون التسوية التي تأتي بها مبادرات مثل المبادرة السعودية/العربية 2005، وهم مثلهم مثل باقي الصهاينة مع عدم التفريط في أي من الأراضي التي احتلوها، ويطرحوا بدائل لها وللفلسطينيين خارج “إسرائيل” سواء في الأردن أو سيناء.
في المقابل، استثمرت النخبة السياسية في إسرائيل تصريحات الرئيس، وبرهنوا بها كما طالعتنا وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن العائق في تطوير وتطبيع العلاقات بين تل أبيب وعواصم الدول العربية ليس تعنت وتشدد الإسرائيليين ولكن عدم التوافق الفلسطيني وصولاً إلى رد الكرة في ملعب الرئيس وكل من يروج لهذا الخطاب من الحكام العرب ومطالبتهم من جانب الإسرائيلي بتوسيع أفق ومجالات التعاون وإعلان السري منها..دون مقابل وبالمجان، أي اختصاراً توظيف مثل هذه التصريحات والإجراءات واستثمارها على مستوى الصالح العام لإسرائيل، أو على مستوى الصراع بين الأحزاب الإسرائيلية حول طريقة تنفيذ السابق، وهو ما يعني حتى طبقاً لأبجديات البرجماتية السياسية إفلاس سياسي ومزيد من التنازل دون مقابل. ناهيك عن أن التصريحات شكلت طوق نجاة للحكومة الإسرائيلية في ظل نفور بعض الهيئات والدول الأوربية من التعنت والصلف الإسرائيلي -أخره رفض المبادرة الفرنسية- وتوجهها إلى دعم الحق الفلسطيني سواء عبر قنوات رسمية أو مبادرات شعبية، فها هو ذا الرئيس المصري بنفسه يردد نفس الخطاب الخاص بأن العائق في طريق تحقيق “السلام” هو الخلاف بين الفصائل الفلسطينية!
(4)
أياً ما كان الدافع المباشر وراء تصريحات الرئيس المفاجئة، فإنه وعملاً بمبدأ “ياخبر بفلوس” فإن هناك إخفاق في تقدير فحوى وتوقيت التصريحات ومردودها، التي استثمرها الإسرائيليين ووظفوها حسب مصلحتهم فقط، دون أي تعهدات كونها تصريحات مجانية، تأتي على خلفية غياب رؤية متبلورة وحقيقية نتجت عن دراسة ورصد الواقع السياسي الحالي في الكيان الصهيوني، وهو ما يشي بملامح الوجه المظلم من القمر في تصريحات الرئيس، التي قد تكون مجرد تأكيد على دور القاهرة التاريخي منذ اتفاقية السلام في ترويج “السلام” وقيادة قاطرته التي ربما تزاحمها فيها الآن طموحات شابه صاعدة في دول من المفترض أنها حليفة لمصر ونظامها الحاكم. أو أن التكهن الأسوأ هو أن مصر أصبحت منفذ ومعبر ووسيط علني لإدارة علاقة هذا الحليف بالكيان الصهيوني، أي أن حتى الدور القيادي الذي لعبته مصر على مدار أكثر من 30 عام فيما يخص القضية الفلسطينية والعلاقات العربية مع إسرائيل قد أصبح من الماضي، وأنه في الوقت الحالي لا تملك القاهرة إلا إتباع موجة التقارب الخليجي-الإسرائيلي، بحثاً عن دورها المفقود ولو بإعادة شغل ما خلفه نظام مبارك من فراغ في هذا السياق.. ولو حتى بنفس الأدوات والعقلية التي عفى عليها الزمن ولم يعد حتى الإسرائيليين يثمنوها.