البديل
محمد دوير
احتكار الوطن .. واحتقار المواطن
صار الوطن سلعة يتحكم فيه من يملكها، وصار المواطن أداة من أدوات الفعل يستدعي في أوقات الشدة ثم يتركوه وحيدا يصارع ضغوط الحياة. هكذا يمكن أن نلخص المشهد الحالي، مشهد كيف يبنون وطنا علي مقاس طموحاتهم؟ وكيف يصنعون مواطنا مؤهلا لرؤية انجازاتهم الوهمية بوصفها آيات أتت من فوق سماوات سبع؟

فكما انشغلنا ولم نزل بهؤلاء الذين يحتكرون الدين ويفسرونه وفقا لأغراضهم، ننشغل الآن أيضا بالوجه الآخر للعملة، بهؤلاء الذين يحتكرون الوطن ليحددوا لنا من الوطني ومن الخائن؟، من الصديق ومن العدو؟، من المخلص ومن الغادر ؟ …الخ، ونصبح نحن جميعا في خندق المعارضة، خندق الخيانة، كما كنا من قبل في خندق المعارضة أي خندق الشيطان…تلك هي سمة الحكم المطلق، والحاكم المستبد، حينما يري المعارضة تجاوزا وقلة أدب وخروج عن اللياقة وتخطي حدود العقل والعقلانية، نصبح أبناء الرفض الرافضة، لمجرد أننا اخترنا طريقا غير الطريق، ونضالنا ضد سياسات نراها ضد الفقراء، لأنهم يحتكرون الوطن، فلا حديث وطني خارج حديث المجد والفخر والعزة برئيس البلاد ونظام الدولة.

والحقيقة أن الوطن لم يصبح وطنا للجميع، وأقصد هنا ليس وطنا للفقراء بفعل سياسات السوق السوداء والاستيراد الخصوصي وتدمير الصناعة الوطنية وتشريد العمال وطرد الفلاحين وتشويه كل فن وابداع تقدمي ووطني، ليحل محله كل تعبير مشوه.

صار الوطن رمزا لشلة من الفاسدين، وعنوانا لقدرة الفساد علي السيطرة، وصورة مكبرة لكل أنواع التزييف والتزوير من تزوير الانتخابات إلى تزييف الوعي، حينما نحيا في وطن كهذا يصبح كل شيء أشِبه بالعدم، ويتجلي الاغتراب في كل صور العدمية الممكنة بدءا من انتشار المخدرات حتي هوس المبايعة التي لا تخضع لمنطق أو برهان.

هنا.. يتحول احتكار الوطن إلى احتقار كل من يخالف صورة الوطن كما يريدونها هم، أي إلى احتقار المواطن البسيط فيتحول الوطن إلى سجن للمواطن، لذلك فليس مصادفة أن يقبع في السجون المصرية آلاف المصريين غالبيتهم من الشباب، ونسبة 26 % منهم لاسباب متعلقة بتعثرات مالية وهي رسالة غاية في الخطورة لأنها متعلقة باعتقال المستقبل، وليس مصادفة أن يتزايد الاختفاء القسري والمعتقلين وتتخطي نسبة الفقر وفقا للاحصائيات الرسمية الـ 30 % من بينهم 6 % فقر مدقع، وتدهور الصحة، لصالح العلاج الخاص، والتعليم لصالح التعليم الخاص، وعندما يصبح كل شيء خاص، يصير الوطن أيضا خاص، أي ملكية خاصة يتحكم في معانيها ومفاهيمها مجموعة خاصة، غالبا تتكون هذه المجموعة مني ذوي النفوذ أي من كبار ضباط الجيش ورجال المال.

المعادلة واضحة …كلما زاد احتقار المواطن، تزايد احتكار الوطن .. وكلما قل احتقار المواطن نقص احتكار الوطن، والخطير في الأمر أن تضيق مساحة الاحتكار حتي تصل إلى فرد واحد ويصبح الرئيس هو الدولة والدولة هي الرئيسـ حينئذ سنكون قد خرجنا من دائرة المعارضة إلى دائرة المقاومة .. وأدعو الله أن نفيق قبل أن نصل إلى داء لا دواء له.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف