خير ما فعلته السنوات الماضية، رغم ارتباكها واضطرابها وعبثها وجنونها، أنها لعبت دور غربال الفرز، مراحل متتالية من فرز البشر والأفكار والتيارات ما زالت مستمرة حتى هذه اللحظة لنكتشف من خلالها أن من كنا نظنه رجل دين مستنيراً هو أصل التطرف، ومن كنا نتخيل أنه سيد مهنة الإعلام هو أكثرهم فساداً، ومن كنا نظن من أحاديثه المعارضة فى الصحف أنه صالح للجلوس على كرسى الوزارة فشل منذ يومه الأول.
هى إذاً مرحلة غربلة دقيقة ومتقنة وتلقائية، سنحصل ثمارها مستقبلاً، ولكن يبقى أفضل ما فيها أنها أفرزت على الساحة كل أنواع الأراجوزات ومرضى الجهل، وكشفتهم أمام الجميع، منحتهم الشو الإعلامى وظهروا على الفضائيات واهتم بهم المجتمع، ولكن آن الأون أن تنتهى تلك المرحلة، آن الأوان أن يلزم كل قرد شجرته؛ لأن الوقت وقت الانشغال بالبناء ودعم هذا الوطن، لم تعد لدينا مساحة لأهل العبث والجنون والتصريحات الخزعبلية؛ لأن هذه النوعيات تصيبنا، دون أن ندرى، بداء الخلل، تعطل دفتر أولوياتنا بدلاً من أن نهتم بمحطة بنى سويف، إنجاز الكهرباء الجديد، نجد العين مسلطة على معركة شادى محمد وخالد الغندور، سما المصرى، عزمى مجاهد، حساسين وغيرهم وغيرهم.
نحن نعانى بسبب هؤلاء من عجز عن ترتيب دفتر أولويات هذا الوطن.. يعنى الحاجات المهمة بتتراجع للخلف ويصعد مكانها حاجات تافهة.. أو خلينا مؤدبين ونقول «مش مهمة».
علاج كل هذا يبدو واضحاً فى كلمة سيدنا عمر بن الخطاب، التى أوردها الإمام الحافظ الأصبهانى فى كتابه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، قائلاً: «حدثنا الحسن بن علان الوراق، عن يوسف بن أبى أمية الثقفى، عن الحكم بن هشام، عن عبدالملك بن عمير، عن ابن الزبير، قال: قال ابن الخطاب: إن لله عباداً يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، رغبوا فرغِبوا، ورهبوا فرهِبوا، خافوا فلا يأمنون». فى اعتقادى تصلح كلمة سيدنا عمر لأن تكون خطاباً سياسياً موجزاً لن يختار «الفاروق» غيره إن طلبوا منه الحديث عن حال مصر سياسياً وإعلامياً الآن.
فى الوقت الذى يهددك فيه الإرهاب، وتقلقك المخاطر الاقتصادية، ويعدك وزير التعليم بعام دراسى منضبط فلا نقرأ عن التعليم والمدارس سوى كل شر، وتعدك فيه الأحزاب بأداء محترم فى انتخابات مجلس النواب فلا تجد منها سوى كل ما هو هزلى، نترك كل هذه الأشياء وندفعها دفعاً نحو ذيل جدول أولوياتنا واهتمامنا لصالح «خناقات» ومعايرات الإعلاميين وبعضهم، وردح السياسيين وتخوينهم لكل الأطراف المختلفة معهم، بالإضافة إلى شتائم ومعارك الرياضيين على كعكة المال والسيطرة، بينما الوطن وهمومه، البلد وحاضره ومستقبله.. لا أحد يهتم.
أميتوا الباطل بهجره، أميتوا التافه بهجره، أميتوا الخبيث بهجره، أميتوا أصحاب المصالح بهجرهم.. فقط ارفعوا من شأن كل صاحب قيمة، حتى لا تتركوا لأولادكم من بعدكم أصواتاً وأسماءً ووجوهاً تظنون أنكم بانشغالكم بتفاهتهم وسبكم لهم تقتلونهم، فإذا بسبابكم يمد فى عمرهم أطول وأطول، ويصنع شهرتهم ويضعهم على طاولة المرغوبين والمطلوبين لشغل الناس عن ما هو أهم.. اعدلوا وتجاهلوا كل خبيث تميزونه من الطيب.