في ملف الطائرة المنكوبة لم تعد التساؤلات تدور حول خلل فنى أم عمل ارهابي أم خطأ بشري .. التساؤلات قفزت الى الفرضيات الأبعد من ذلك وهى قائمة الأهداف المشروعة للقصاص من القائمين على عمل اجرامي ربما استهدف أرواح الأبرياء بالطائرة المنكوبة .. حديث الثأر على الأرجح هو الأعلى صوتاً في دوائر الرأى العام وليس فنيات التحقيق وشهادات الخبراء وتفسيرات الاعلاميين البلهاء .. الرأى العام اعتاد استباق الحقائق وإصدار الأحكام وإعلاء الصراخ على صوت العقل .. وفي ظنى أن الانفعال صادق ومشروع ، والأكثر من هذا أن الثأر أيضاً أمر مشروع.
اصوات التشفي ، والمحرضون ، وزعماء الفتنة ، وعواصم المأوى ، هى جميعها أهداف مشروعة "بالقانون" .. فليس من الطبيعي أن نمارس ضبط النفس أكثر من هذا.
اسقاط طائرة مدنية بأى وسيلة هو عمل من أعمال الحرب يستوجب الرد من نفس جنس العمل ، إن لم يكن برد أشد قسوة .. فالأخطاء الفنية والبشرية والخطف لم تعد تستهدف في الأشهر الخيرة سوى طائرات مصر للطيران ، والتفسير الاقتصادى يرى أنها حرب تجارية بين شركات الطيران العالمية ، فيما يرى أنصار نظرية المؤامرة أنها عمل تخريبي كان يستدعى رد فورى قاسي حتى لا يتكرر ، وأن ما شجع على تكرارها مجدداً أن العقاب الرادع لم يتحقق وأن نتائج التحقيقات في ملف الطائرة الروسية لا تزال "دائرة مفرغة".
حديث المؤامرة يستند الى ما تداولته الوكالات نقلاً عن خبير طيران فرنسي ، ملخصه أن الطائرة سقطت فجأة ، و لم يكن هناك وقت لإرسال استغاثة.
حتى الانذار الأوتوماتيكي لم يعمل ، و هو يعمل فقط عند ملامسة جسم الطائرة لسطح البحر، أو أي اضطراب في الجاذبية ، وهذا يعني ان الطيارة لم تسقط و انما انفجرت ، وأن احتمالات الانفجار السريع ثلاثة ، إما مشكلة في الطقس ، و هو مستبعد لأن الطقس لم يسجل أى مشكلة ، أو مشكلة ميكانيكية وعطل مفاجئ في كل أجهزة الطائرة ، و هو نادر الحدوث جدا لأن الطائرة دي مصممة انها تتحمل أي عطل محدود مفاجئ، و الاحتمال الثالث هو عمل إرهابي.
الخبير الفرنسي لم يكن أول من قفز الى فرضيات التفجير الإرهابي ، بل اتفقت معه هيلارى كلينتون بتعليق أكثر غرابة قالت فيه "أن ما حل بالطائرة المصرية يلقي الضوء على خطر الإرهاب"، لتشارك الرأى العام المصري في قفزته الاستباقية لنتائج التحقيقات مع الفارق المعلوماتى والاستخباراتي لدى كلينتون !!
لكن الصورة تأخذ بعداً أكثر عمقاً مع ترجيح الخبير الإيطالي ، أنطونيو بوردوني، أنه لا يستبعد نجاح "القاعدة" في الوصول إلى الطائرة في أسمرا، مثل نجاحها قبل ذلك في الوصول إلى طائرة في مطار مقديشو في الصومال ، في فبراير الماضي ، عندما كانت في طريقها إلى جيبوتي.
الجميع يقفز مسارعاً الى فرضية التفجير الإرهابي ، ويقدم تطوعاً سيناريوهات وفرضيات تمنح غطاءاً خادعاً وقفزة استباقية متسرعة ـ لغرض يبدو غامضاً حتى الآن .. لكنه قدر الأمة المصرية أن تخوض كل يوم اختبار قسوة وتحمل جديد.