التحرير
محمد فتحى يونس
المتاريس
(1)
بقى من ميدان التحرير متاريس القصر العينى.
وبقى من سلم النقابة حواجز حديدية ومواطنون (شرفاء).
ولم يعد عبد الخالق ثروت شارع البذاءات كما رآه السادات.
هذه هى حيثيات النجاح لمن تصور نفسه قد نجح.


العلاقة وثيقة بين هندسة الشوارع والغضب السياسى.
كتب الصديق د مأمون فندى من قبل عن دور عمارة القاهرة الخديوية وميادينها فى حشد واستمرار الغضب وقت يناير، وكتب من قبل "فوكو" و"لوفير" عن تحكم السلطة بأجساد الناس من خلال الحارات والشوارع، وكيف تتعمد أحيانا تدشين شوارع عريضة فى أماكن بعينها كى يظهر المحتجون بسهولة لرقابة الأمن.
التحرير كان رمزا ثوريا فى نظر الميديا العالمية لثورة يناير، بل رمز تاريخى احتضن من قبل كل مظاهر الغضب ضد السادات وعبد الناصر، وبالمثل كانت ميادين المدن الأخرى، فيما اكتسب شارع عبد الخالق ثروت رمزا موازيا بوجود نقابة الصحفيين والمحامين، وتخطى الشارع دوره الفئوى المهنى من هموم الصحفيين والمحامين إلى قبلة لأصحاب المظالم العامة.
وهنا مكن الخطورة.
فى تحليله للشوارع الثورية يقول عالم الاجتماع آصف بياتى إن الشوارع الثورية لها خصائص بعينها، أنها تشكل فضاءات للحشد يسهل فيها تجميع فئات ثائرة على وجه السرعة، من فنانين على المقاهى إلى طلاب فى جامعات إلى مساجد مع سهولة الوصول إليها من قبل عدد كبير من الناس فى زمن قياسى، وملتقى للمواصلات بحيث يسهل نقل أخبار الغضب منها بسرعة كبيرة، ويتفرع منها شوارع عديدة تسهل المناورة والهروب للغاضب.

هى شوارع الطبقة الوسطى الحضرية التى تضم شرائح يجمعها الغضب، بعيدا عن ضيق حارات الفقراء ممن قد يغضبون من تأخر الخدمات أو قطع الكهرباء أو مساكن عمال حلوان ممن انتفضوا من قبل من أجل حقوق فئوية عام 2008 بلا جدوى، فتلك الإضرابات البعيدة عن مركز المدن لا ينضم إليها أحد، ويسهل تفريقها.

(2)
فى أزمة الصحفيين الأخيرة كانت الرغبة معلنة فى تحويله إلى شارع "فئوى"، لا يضم غاضبين آخرين تكفل الأمن بمنع ممثلى الأحزاب والنقابات الأخرى كوفد نقابة الأطباء، نقلت الوكالات صور منى مينا وغيرها واقفة أمام المتاريس.

فقد الشارع روافده وتفريعاته بحشود مضادة من موطنين (شرفاء) تحلوا بمهارتى "التدريع والتصبيع" لتنتهى الصورة بصحفيين تخطوا المتاريس ليطلبوا "ريشة على رأسهم" فى مواجهة دولة القانون.

مثلما كان الأطباء وكان المحامون وكان سائقو التوك توك.
هذه تصرفات نابعة من رؤية تكره الشوارع الغاضبة، تراها معطلة للعمل والمشروعات، يحتلها أهل الشر، ممن يتحفظون على نشر الإيجابيات، تحلم بإعلام عبد الناصر الستينى، المهلل "للتماثيل الرخام على الترعة و الأوبر"
ترى فى النقد اختراق، وفى المعارضة طابور خامس، وفى عمار على حسن "مخترق للثوابت الوطنية" وفى الكردوسى كاتب وفى أحمد موسى وطنى شريف. وفى حقوق الإنسان ترف، وفى الحقوقيين "حكوكيين ممولين" ويمكن للمنادين به أن يتحدثوا عنه بعد عشرين عاما، حين تكتمل الديموقراطية.
لكن التاريخ يقول إن شوارع الغضب ليست هى العدو. و أن المتاريس لا تكتم غضبًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف