■ لم أستطع منع ابتسامة ساخرة ارتسمت على وجهى وأنا أتابع بعضاً من نقاشات وفعاليات قمة العمل الإنسانى التى دعا لها الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون واستضافتها مدينة إسطنبول التركية مؤخراً. فما بين الدعوة والدولة المضيفة والدول الحاضرة وقضايا العالم الذى تناسى الإنسانية لا بد أن تصف القمة بأنها «شر البلية».
■ استندت القمة لدعوة الأمين العام بان كى مون التى استغرقت ثلاث سنوات من العمل والتشاور مع 23 ألف شخص فى 153 دولة، وطالبت العالم بالقيام بمسئوليات القيادة السياسية لمنع نشوب النزاعات وإنهائها، والتمسك بالقواعد التى تصون الإنسانية، وعدم إغفال أحد، وتغيير حياة الناس -من تقديم المعونة إلى إنهاء العوز والاستثمار فى الإنسانية- كل هذا بهدف اقتراح حلول للتحديات الأكثر إلحاحاً التى تواجهنا وإعداد جدول أعمال لجعل العمل الإنسانى مواكباً للمستقبل.
■ وللحق فإن علامات التعجب مما سبق أكثر من علامات الإعجاب؛ إذ إن نظرة واحدة للدولة المضيفة والدول الحضور تمنحك علامة استفهام ضخمة مفادها: هل يدرك هؤلاء حقيقة معاناة الإنسانية؟ هل يدركون حجم صفقات السلاح التى تتصدرها مبيعاً الولايات المتحدة؟ هل يدركون أن كلماتهم ومبادراتهم ما عادت تلفت أنظار أحد؟ ليتهم أرسلوا تكلفة إقامة هذه القمة إلى اللاجئين من سوريا فى لبنان والأردن وتركيا وعلى حدود أوروبا، أو إلى سكان دارفور. ليتهم أقاموا بها مدارس حقيقية للتعليم ومستشفيات آدمية للعلاج ومراكز للفنون والثقافة تعلم البشر كيفية قبول الآخر واحترامه. لذا هى قمة شر البلية.
■ وحينما ترى وقفة نقيب الصحفيين يحيى قلاش ومعه جماعته الصحفية على سلم النقابة موقدين الشموع على ضحايا طائرة مصر للطيران، وتصريحه بأن تعامل الإعلام الغربى مع القضية لم يكن مهنياً. فلا تضحك على شر البلية ولكن اسأل نقيب الصحفيين: وماذا عن كتابات من آوتهم النقابة بدعوى حمايتهم فكانوا سبباً فى أزمة فارغة ألمت بالوطن؟ وماذا عن مستوى الصحفيين الذين ذهبوا لتغطية المؤتمر الصحفى لوزير الطيران فأظهروا ضحالة الفكر والأسلوب؟ وماذا عن تجاوزات تُمارَس كل يوم تحت اسم الحرية وهى منها براء؟ وماذا عن مهنية انتحرت يوم سيّست العمل النقابى؟ وماذا عن أداء إعلاميين وصحفيين مصريين فى قضايا أخيرة مثل قضية «ريجينى» أو «الجزيرتين»؟
نعم، إنها شر البلية.
■ وحينما تسمع أن وزارة التموين تبيع المكسرات المستوردة بالعملة الصعبة فى المجمعات الاستهلاكية التى من المفترض توفيرها للسلع الأساسية، فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله فى حكومة تطالب بتوفير الدولار وتنفقه هى على الرفاهيات بينما تواجه أزمة توفير الأرز على سبيل المثال. وكان الأجدى أن تترك سلعة كالمكسرات لتجار القطاع الخاص ومن أرادها فليذهب لشرائها، بينما تركز هى على أساسيات الحياة اليومية للمواطن فى المأكل والاحتياجات. نعم إنه شر البلية أن نواجه أزمة توفير سلعة رئيسية كالأرز ونعلن عن توافر المكسرات فى المجمعات الاستهلاكية!
■ شر البلية أن نعلن كحكومة كل عام منذ أن وعيت على الحياة مع قدوم كل رمضان «توفير احتياجات الشهر الكريم»! لأن الحكومة تقوم بذلك طيلة العام ولا داعى لإرباك الحياة بتكاليف أزيد، وعلى الحكومة نشر تلك الثقافة لدى المواطن. كما أنه وبعلم الحساب فإننا نتناول وجبتين فقط فى الشهر الكريم أى إن هناك وجبة غائبة وهو ما يعنى توفيراً أكثر. وبعلم الدين فإنه شهر الزهد لا شهر التخمة والتبذير فلماذا هذا الإسراف؟ وبعلم الأمن القومى فنحن دولة تسعى لترشيد الاستهلاك ونشر ثقافة التوازن للبناء.. فلماذا كل هذا؟
إنه «شر البلية».