أمانى هولة
70 دعوة للحب بـ10 جنيه.. حكايات وطن
فى زحمة يومى التى لا تنتهى جاءتنى دعوة، ترددت لصعوبة تنفيذها لكن قررت أخيراً تلبيتها سريعاً لأعاود اللحاق بقطار المشاغل بالمحطة التالية، اتخذت مقعدى من القاعة المزدحمة فى انتظار رفع الستار، بين ترحيب وتحيات لبعض الأصدقاء والشخصيات العامة ممن جاءوا ليشجعوا الملائكة الصغار والكبار أيضاً، يفتح الستار، ديكور وإضاءة بسيطة لكنها معبرة، موسيقى تشعرك بحميمية ودفء، يبدأ العرض أو قل الطوفان، لأنسى كل ارتباطاتى، وألتصق بمقعدى، لنؤخذ جميعاً إلى مساحات رحبة من الإنسانية، حيث تتوقف كل الأشياء، المشاغل، دقات الساعة، تفكيرنا المستمر فى خلفية عقلنا الواعى، لأترك نفسى كما فعل الجميع يقيناً للملائكة تغرد بى على أغصان البراءة تارة، تشكو لى من أمنا الغولة فجأة، تبوح لى بوجد المشاعر كثيراً، لأفيق على نهاية العرض وأنتفض واقفة أصفق تصفيقاً حاراً تتساقط معه من يدى و(حجرى) مناديلى الكثيرة المبللة بدموع تباريت أنا والرفاق لإخفائها عن بعضنا، انتهى عرض (ورد وياسمين) على مسرح الشباب بالمسرح العائم بدعوة متجددة للحب كل يوم فى تمام الثامنة، وقد جمعوا كل الورد والياسمين صحبة مهداة من 16 مليون مصرى متحد للإعاقة، يعبر عنهم 25 ملاكاً مليئاً بالإصرار يتحدون إعاقاتهم المختلفة، وسط رقصات رشيقة بدقة لافتة، مما جعلنى أعتقد أنهم استعانوا بأسوياء يقودهم د. أسامة رؤوف، مدير مسرح الشباب، وإيماناً بقضية حق المعاق فى وطنه بدءاً من احترام آدميته لفرص تعليم وتدريب وعمل ورعاية تفعيلاً لقانون 49 لسنة 1982، وطموحات أن تصل الرسالة لكل ربوع مصر، يقف خلف الأستار وجه أسمر لفحته شمس الجنوب بحماس ويقظة، إنه المخرج شريف فتحى، الذى استطاع أن يمس مشاعرنا بقوة بعيداً عن الابتذال، تغمرنى كلمات توجع وتطبطب فى آن واحد، تعلم برشاقة، تقدم رسالة بشغف للمؤلف أيمن النمر، (الإعاقة مش بس فى الجسم، الإعاقة فى اللى مش بيحس)، تنساب بها برقة وعذوبة ألحان ساحرة للفنان إيهاب حمدى، أشعر برغبة أن أشد على يد الفنان الذى لا ينام فتوح أحمد، المايسترو الحاضر الغائب ومتابعة دءوب، لتلك المنظومة وغيرها بقدرات إدارية لم نرها منذ سنين وانتقاءات راقية هى دور مسرح الدولة، وقد عادت أنواره تسطع من جديد، وما زال يبهرنى باجتهادات ثورية حقيقية لا تخلو من الابتكار، بدءاً بمبادرته العبقرية ببطاقة عضوية كل مصرى لمسرح الدولة وحجزه لمقعده الدائم لأكثر من 50 عرضاً سنوياً هو إنتاج البيت الفنى للمسرح فى المتوسط مقابل 50 جنيهاً فقط للكبار و20 للصغار، ومسرح العرائس المائى لأول مرة فى العالم خارج حدود فيتنام، الذى يمثل تراثها العريق المبهر عبر آلاف السنين، ليخبرنى بحماس أنه يسابق الزمن ليترك بصمة تليق بدور البيت الفنى للمسرح وبأم الدنيا المعلم الأول لفن المسرح للحضارة الإنسانية وهو يلملم أوراقه للرحيل، طبقاً للوائح والقوانين لبلوغ سن المعاش!! أتذكر وعوده فى البدايات، التى نفذها حرفياً بل فاقها، ورغم أن شهادتى مجروحة لتحيز أستشعر معه الحرج لكن غيرتى على بلدى وحماسى لأحد البنائين المخلصين تسمح لى أن أسأل أصحاب القرار بدءاً من سيادة الرئيس: هل للإبداع تاريخ انتهاء صلاحية؟
وأخيراً أدعو كل من تقع عينه على كلماتى المتواضعة ليلبى دعوة حب ممتدة من قلوب لا تعرف الكذب وعيون كلها شغف وإصرار بقلب قاهرة المعز على ضفاف نهرها الخالد كل ليلة من لياليها الساحرة لرؤية أجمل صحبة ورد وياسمين.