الوفد
عباس الطرابيلى
عشاق المناصب والألقاب
إعلان شدنى على الصفحة الأولى شمال وهو أفضل مكان فى إحدى الصحف الصادرة أمس.. يقول الإعلان: سيتم إن شاء الله تعالى الاحتفال بمولد الإمام الأكبر العارف بالله فضيلة الشيخ �فلان الفلاني� والليلة الختامية يوم.. كذا مع صورة كبيرة للإمام الأكبر إياه.. فهل فى مصر الآن إمام أكبر غير شيخ الأزهر أطال الله عمره.. رغم أن الإمام- كما جاء فى الإعلان- يبدو فى الصورة أن عمره لا يصل إلى الثلاثين عاماً! فهل أصبحت- هذه المناصب- شيئاً يجرى وراءه من يشاء؟
<< وأعرف أن لقب الإمام الأكبر مرهون فقط بشيخ الأزهر، الذى ليس هو مجرد جامع، أو جامعة.. بل هو الرمز لهذا الصرح العظيم الذى يتجاوز عمره الألف عام.. وأعرف أنه ليس هناك نص قانونى بعدم التعدى على لقب �الإمام الأكبر� ولكن العُرف جرى أن نحفظ لشيخ الأزهر مكانته ومكانه.. وقيمته وقامته والأزهر هو هذه المؤسسة العريقة التى أصبحت سداً حصيناً للدفاع عن الإسلام بأنه دين الوسطية.. وأنه القلعة التى صانت الدين رغم كل الهجمات- والتعديات- على الإسلام ووصلت هذه الهجمات إلى حد الحروب الفعلية، التى استمرت مئات السنين ضد هذا الدين العظيم.
<< وأتذكر كنت مرة فى زيارة لإثيوبيا، وهى دولة تعتبر حامية المسيحية فى قارة إفريقيا.. وكانت زيارتى لمنطقة شمال شرق إثيوبيا.. وفيها أكبر تجمع من أبناء إثيوبيا من المسلمين.. وزرت مدرسة للمسلمين هناك.. وما أن عرفوا أننى من مصر، وأننى أعرف شيخ الأزهر الإمام الأكبر �طنطاوي�، حتى أسرعوا يسلمون على ويكادون يتلمسون ملابسي.. وهم يتهامسون.. هذا من بلد شيخ الأزهر.. وهو يعرفه، والتفوا حولى فى ترحيب لم أشهده فى حياتي. كل هذا لأننى من بلد �الإمام الأكبر�.
<< وأعود إلى الإعلان الذى استفزنى أمس.. وتساءلت: هل هانت علينا هذه الكيانات الكبرى التى نحترمها ونعتز بها أن تطلق على أى إنسان حتى ولو كان شيخاً لإحدى الطرق الصوفية.. وأقول إننى أحفظ قدر الناس.. ولكننى أرفض التشبه بهم. وأتساءل: ألا يكفينا أننا نعتدى على المناصب المدنية.. فيصل الهوان إلى التعدى على المناصب الدينية. ألا يكفى أن نقول لأمين الشرطة: يا باشا.. وللسمكرى والسباك: يا باشمهندس.. بل وللقاضى معالى المستشار. ونقول لكل من هب ودب: يا ريس! لا يكفى أن نقول للبعض: معالى الدكتور المهندس الوزير.. المحافظ! هل لهذا الحد هانت علينا الألفاظ والمناصب.. أم يا ترى ما دمنا كذلك من العشاق للعظمة نرى ضرورة تقنين المناصب، كما كان زمان. عندما كان عندنا صاحب العزة فلان بك.. وصاحب المعالى فلان باشا.. وصاحب السعادة.. إلى أن نصل إلى حضرة صاحب المقام الرفيع ولم يكن يحمله إلا ثلاثة فقط هم من رؤساء الوزارات الذى سبق أن حصلوا على وسام فؤاد الأول.. ولم يكن يحمل هذا اللقب إلا النحاس باشا.. وعلى ماهر باشا على سبيل المثال.
<< نحن فعلاً شعب يعشق الألقاب والمناصب.. ولكن لابد - فعلاً- من تقنين الأوضاع.. حتى نوقف الفوضى التى تسود حياتنا الآن.
كده.. وإلا إيه.. يا باشا؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف