المساء
محمد فؤاد
ع الطريق.. شعب.. يكره ما يحب
شعب مصر. ذاك شعب يحب ويميل إلي من يطري عليه ويمتدحه. ويشير إلي أمجاده وفضائله وشمائله. وهو ذلك الشعب الذي يحب بلاده. يتغني بأمجادها وهوائها واثارها ونيلها وترابها. ويفخر أيضا بأنه يمتلك اعظم تراث عرفته الإنسانية جمعاء. ويدعي بأنه يحميه ويحافظ علي أسراره وكنوره.
غير أنه شعب نادر الحدوث والوجود. فهو يحب بلاده ولكنه يفعل كل ما يشوه هذا الحب. فيظهر ويبدو بمظهر الذي يكره ما يحب. ويهدم وينقض كل ما يبنيه.
فإذا ما ارتحلنا معه في رحلة قصيرة. لرأينا شيئا مغايرا لكل ما يدعيه ويقوله: ولوجدناه متناقضا مع نفسه تناقضا شديدا. ولا يحترم كل ما يقدسه ويبجله.
فهو يجيد كتابة الحكم والمواعظ علي الحوائط والمباني. ولكنه لا يعمل بما يريد أن يعمل به غيره. فأكوام القمامة والقاذورات ترقد بسلام. تحت حكمة "النظافة من الإيمان" حتي تكاد تختفي تلك الحكمة.
وبمناسبة الكتابة علي الجدران. حاول تقليد جده ـ المصري القديم ـ الذي كان يدون انتصاراته وعقائده وأخلاقياته. بنفوش ورموز جميلة علي المعابد والمسلات. لكنه شوهها. فرسم "سهم وقلب" وكتب بجانبهما "أحمد ومني.. للذكري".
يتباهي بآثاره التي ليس لها مثيل وتساوي ثلث آثار العالم. فماذا فعل هو بها؟
انه ينقب عنها ليتاجر بها. ويعرضها الآخرون في متاحفهم. ويقوم بتكسيرها ليبتاعها السياح بالتجزئه. بالإضافة إلي أنه يتفنن في تشويهها إذا قام بترميم ما يتحطم منها.
يتغني بمقولة هيرودت العظيمة "مصر هبة النيل" ولكنه يردمه ليبني ناطحات السحاب عليه. ويلوثه بإلقاء مخلفات المصانع والحيوانات النافقة فيه. ويهدر مياهه في الرش وري ملاعب الجولف.
يصف هواءها بالعليل. وهو من يفسده يوميا بآلاف الاطنان من الأدخنة الصادرة من عوادم السيارات وغبار مصانع الأسمدة والأسمنت وقش الأرز المحروق. ملوثا للبيئة ومسببا للأمراض.
ومن شدة عشقه لترابها. قام بتجريفه فحوله إلي طوب مرة. ثم إلي مبان مرة أخري. فأثمرت أرضها كتلا اسمنتية. وبعد أن كانت مصر خزائن الأرض وسلة الطعام في العالم. تحولت علي يديه إلي بلد تستورد 70% من غذائها من كل من حدب وصوب.
يشوه تاريخ أجداده ويزيفه كيفما شاء. فاليوم يرفع من شأن هذا ويحط من قدر ذاك. وغدا سيفعل العكس. فلا تعرف الصالح من الطالح من بينهما. ثم انه يبيع تراثهم وعلمهم بثمن بخس. فيتاجر بالخرائط والوثائق والمخطوطات. دونما صحوة من ضمير أو نوبة ندم. لأنه مشغول بما جمعه وعدده.
ورغم متناقضاته الكثيرة. إلا أنه دائم النقمة علي بلده. إذا ما قصرت في حقه. ويطالبها بتغيير واصلاح نفسها. ناسيا أن هذا الاصلاح وذاك التغيير إنما يبدآن من عنده أيضا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف