الأهرام
عبد الغفار شكر
حكايات من تاريخنا البرلمانى
فوجئ المجتمع المصرى بتصريحات للدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب انه سيحيل الى لجنة القيم اى عضو فى المجلس يناقش السياسة النقدية للحكومة فى وسائل الاعلام،

كما استنكر ان يتلقى النواب تدريبا على كيفية القيام بمسئولياتهم البرلمانية وكيف يناقشون الميزانية، واتهم مراكز التدريب بانها تمارس نشاطا هدفه اسقاط مؤسسات الدولة وكانت هناك ردود فعل قوية ترفض هذا الموقف من رئيس مجلس النواب لانه يصادر على حق النواب فى مناقشة كافة القضايا وابداء آرائهم بما يؤدى الى مشاركة المواطنين فى متابعة اعمال المجلس سواء بالتأييد او المعارضة. وللدكتور على عبد العال مواقف يبدو منها الاستجابة لما تطالبه به السلطة التنفيذية.

ينسى الكثيرون ان الحياة البرلمانية لمصر بدأت فى منتصف القرن التاسع عشر تقريبا وفى هذا التاريخ الطويل من العمل البرلمانى المصرى هناك العديد من الدروس المستفادة نختار منها درسين فقط يتعارضان مع توجهات الدكتور على عبد العال فقد تأسس مجلس شورى النواب كأول مجلس برلمانى فى مصر سنة 1866 من 75 عضوا كمجلس استشارى للخديوى اسماعيل والحكومة ولكن هذا المجلس سرعان ما بدأت مواقفه تتطور فى اتجاه اكتساب استقلالية اكثر تجاه السلطة التنفيذية وفى مواجهة الخديوي. هذا المجلس يقدم نموذجا جيدا للاصرار على ان يكتسب المزيد من الاستقلالية والمزيد من الاختصاصات فى مواجهة الحكومة. وفى 1871 طالب النائب عثمان الهرميل ان يعرض على المجلس خطة الحكومة المالية. وفى استجابة لذلك تقدم رئيس الوزراء ببيان مالى عن مصروفات الحكومة وايراداتها. وتبلورت المعارضة سنة 1879 بزعامة النائب محمود العطار الذى انتقد ريفرز ويلسون وزير المالية الانجليزى وأصر على ان يناقش المجلس السياسات المالية للحكومة، فاقترح بعض الاعضاء تشكيل لجنة من المجلس يعرض عليها البيان المطلوب لكن النائب عبد السلام المويلحى رفض ذلك مطالبا ان يناقش المجلس كله البيان المالي. ولما تدخل رياض باشا رئيس الوزراء فى النقاش رافضا ماطرحه المويلحى فبادر النائب عبد الشهيد بطرس بوصف حديث رئيس الوزراء بالوقاحة، وتطورت المناقشات داخل المجلس فى مواجهة قرار رياض باشا بفض دورة المجلس ولكن عبد السلام المويلحى تصدى له مؤكدا ان المجلس لن ينفض قبل ان يأتى اليهم وزير المالية الانجليزى ليعرض سياسة الحكومة المالية وقال المويلحى اننا لن نخرج من المجلس الا على أسنة الحراب وهى المقولة التى طرحت فى المجلس النيابى للثورة الفرنسية، وتم للمجلس بالفعل ما اراده. ومن هذه الوقائع نرى مجلس شورى النواب يوسع سلطاته وينجح خلال 10 سنوات فقط فى تحقيق تطور ملموس فى هذا الاتجاه. ويقدم بذلك درسا لمجلس النواب الحالى فى كيفية الحرص على اختصاصاته التى يتضمنها الدستور والتى يتجه البعض الى التنازل عنها استرضاء للسلطة التنفيذية وقيادتها.

اما الدرس الثانى فهو الذى يقدمه مجلس النواب سنة 1951 وكانت أغلبيته وفدية، وكانت حكومة الوفد والديوان الملكى لا يتحملان ما تنشره الصحافة المصرية فى انتقاد الملك فاروق وحاشيته وانتقاد سياسات الحكومة ولان حكومة الوفد كانت حريصة على شعبيتها فقد اوعزت الى النائب الوفدى اسطفان باسيلى للتقدم بمشروعات قوانين ليقرها مجلس النواب تتضمن فرض قيود شديدة على الصحف وتقدم بالفعل اسطفان باسيلى ب3 مشروعات قوانين تفرض العديد من القيود على حرية الصحف وتعطى للحكومة الحق فى مصادرة الصحف التى تمارس نشاطها فى مخالفة لهذه القونين وكان رد الفعل لما طرحه اسطفان باسيلى من مشروعات قوانين عنيفا للغاية سواء فى داخل البرلمان او خارجه. خاصة وان الحركة الوطنية المصرية كانت فى اوجها مصحوبة بنضال ديمقراطى اشتركت فيه العديد من القوى والاحزاب السياسية. وكانت المعارضة الوطنية الديمقراطية تشمل دائرة واسعة من الاحزاب والنقابات والهيئات بما فى ذلك حزب الوفد وبادر الدكتور عزيز فهمى عضو الطليعة الوفدية الجناح اليسارى لحزب الوفد بالتصدى لهذه المقترحات ومارس دوره كنائب فى مجلس النواب لمناقشة مشروعات القوانين الثلاثة، ومن الملفت للنظر ان النائب الذى قدم هذه المشروعات كان وفديا والنائب الذى تصدى لها كان وفديا ايضا. وعندما تحددت جلسة مجلس النواب لمناقشة هذه القوانين طلب عزيز فهمى الكلمة وكان مريضا بمرض صدرى وعندما اعطيت له الكلمة شن هجوما ضاريا على المشروعات ومقدمها وطرح وجهة نظر قانونية فى هذا الصدد وقدم أمثلة ملموسة تؤيد وجهة نظره وفى غمرة انفعاله تقيأ دما بسبب مرضه وكان رئيس مجلس النواب عبد السلام فهمى جمعة باشا هو والد عزيز فهمى الذى اعطاه الكلمة وهو يعرف انه سيعارض هذه القوانين وحاول ان يخفف عن ابنه بعدما تقيأ دما بطلب رفع الجلسة ولكن ابنه لم يستجب لذلك وواصل دفاعه عن حرية الصحافة وكسب تأييد أغلبية المجلس وشعرت قيادة حزب الوفد بأنها ستخسر هذه المعركة بسبب دفاع النائب الدكتور عزيز فهمى عن حرية الصحافة فطلبت من اسطفان باسيلى سحب مشروعات القوانين التى تقدم بها. وهذا هو الدرس الثانى الذى نستخلصه من تاريخنا البرلماني. نثق فى ان العديد من الاعضاء الحاليين سوف يواصلون مسيرة العمل البرلمانى الديمقراطى وعدم التنازل عن اختصاصاته وعن حق الاعضاء فى ان يناقشوا كافة سياسات الحكم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف