التحرير
أحمد عبد التواب
البُعد الذكورى أيضا فى جريمة أبو قرقاص
إذا كنتَ تريد أن تستكشف بطانة عقلية المجرمين الذين قاموا بتعرية السيدة المحترمة المُسنّة فى أبو قرقاص، وإذا كنت راغباً فى أن تعرف دوافعهم البدائية الغريزية من جريمتهم، فسوف تجد تفسيراً فى هذا الخبر من السعودية حيث أطلق مواطن سعودى النار على طبيب أردنى! والسبب أنه أجرى عملية توليد لزوجته!! وقال فى تبريره أن ينتقم لشرفه لأنه لا يحتمل السماح لرجل أن يرى ما يجب ستره من جسد زوجته!! ووجَّه إدانته للمستشفى لأنها لا توفر طبيبه أمراض نساء وتوليد للقيام بهذا العمل!!

أليس هذا هو معنى ما حدث فى أبو قرقاص وإن كان بشكل عكسى؟ عندما قام المجرمون بتعمد كشف ما يجب ستره من جسد السيدة المحترمة بهدف إلحاق العار بها وبعائلتها؟

وأما عن الخسة المشتركة بين الجريمتين، فسوف تجدها فى فعل السعودى الذى خطط للإفلات من العقاب قبل أن يرتكب الجريمة، حين ذهب للطبيب فى عيادته وكذب عليه بأنه يريد أن يتقدم له بالشكر والعرفان على ماقام به بتوليد زوجته، ثم استدرجه إلى حديقة المستشفى حيث يمكنه الفرار بعد أن يطلق عليه الرصاص، وهو ما فعله، إلى أن ألقت قوات الأمن القبض عليه.

نفس الخِسَّة فى موقف مجرمى أبو قرقاص الذين تجمعوا فى نحو 300 مجرم، حتى تضيع المسئولية بينهم ويصعب توجيه الاتهام لشخص محدد! استفادة من تراث الدم المبدد بين القبائل!

إذا كانت هذه مسألة شرف كما يدَّعِى المجرمون هنا وهناك، فإين الشجاعة التقليدية التى كان يتحلى بها المدافعون عن الشرف بأن يكون فعلهم على رؤوس الأشهاد، وأن يمتثلوا بفخر لقوات الأمن، بل أن يتباهوا بالدفاع عما فعلوا؟

وأما عن خصوصية الشرف فى جريمة أبو قرقاص، فلقد انقلبت الأوضاع المستقرة منذ قرون، لأن القاعدة الهمجية السائدة أن يتوجه الفعل الإجرامى ضد الزوجة المتهمة، صدقاً أو كذباً، بالخيانة، وهو ما لم يحدث فى هذه الواقعة، بل توجه الهمج ليقتصوا من المدَّعى عليه بأنه شريك فى الخيانة، صدقاً أو كذباً، الذى يبدو أن والديه الطاعنين فى السن، لم يتخيلا أن يصيبهما أذى، طبقاً لما هو معمول به حتى فى هذا التراث المتخلف، إلا أن الهمج الجدد قرروا أن يكسروا القاعدة، أو ربما أرادوا أن يضعوا قاعدة جديدة، وأن يكون التشهير بالآباء، ثم إنهم اختاروا أن تكون الجريمة ضد الأم وليس الأب، فى فضح تلقائى للعقلية الذكورية وفهمها للشرف!

وهذا ما كان يستدعى نفرة من الجمعيات والهيئات والمؤسسات المدافعة عن المرأة، وأن تولى الموضوع اهتماماً لا يقل عمن يدافعون عن الضحية لكونها قبطية.

واضح أن التخلف يطور نفسه لمزيد من التخلف، ويبدو أن بعض أجهزة الدولة تتورط فى دعم هذا الاتجاه!

أنظر أولاً إلى خبر إلقاء القبض على مراسل "الأقباط متحدون" الذى كشف جريمة أبو قرقاص وحقق سبقاً بنشر أول تصريحات للضحية. ولا يلغى الإفراج عنه بعد ذلك، أن هناك عقلية أكثر خطراً على المجتمع، بل وعلى النظام الحاكم، تعتبر أن التستر على هذه الجرائم هو أفضل تعامل، لذلك ترسخ العداء مع الصحافة والإعلام إذا قاموا بدورهم فى نشر الأخبار ومتابعتها بما يهم الرأى العام.

وانظر أيضاً إلى واحد من سلسلة التصريحات العجيبة الغريبة التى ألقى بها محافظ المنيا، عندما أرجع أسباب الجريمة إلى ما سماه "أيادٍ خفية"! وكأنه لا يرى أن الأيادى العلنية المتبجحة بالإعلان عن نفسها كافية لاقتراف الجريمة!

والمؤسف أن المحافظ ليس وحده، فهناك العديد من المسئولين يتعاملون مع هذه الجريمة، بمنطق أنها "ها تعدِّى" مثل غيرها! ويغفلون عن مؤشرات خطيرة، منها أنها غير مسبوقة، وأنها مستحدثة، وأنها رائدة فى عالم الجريمة فى مصر، كما أنها كسرت تابوهات كثيرة كانت تردع تلقائياً من يفكر فى تخطيها! والخطير الخطير أن وسائل الإعلام لم تنشر إدانة واضحة من مجموعة يُعتدّ بها من العقلاء فى جوار مسرح الجريمة! صحيح أن من أنقذ الضحية مسلم من جيرانها، ولكن يبدو أنه لا يعبّر عن موقف الأغلبية الصامتة، أو خافتة الصوت، حتى الآن!

المؤكد أنها ها تعدِّى، ولكن المؤكد أنها سوف تترك ندوباً غائرة، يُستحسن التقليل من تبعاتها، كما يجب التحرز من أن تتكرر!

ومن ذلك، وجوب ردّ الاعتبار للسيدة المحترمة ضحية الجريمة، مع إدراك أنه مهما كان الاعتذار فإنه لن يعوض تماماً عن الأذى النفسى الذى لحق بها، كما يجب الإلغاء التام لجلسات الصلح العرفى التى ثبت فشلها، بل وخطورتها فى استمرار هذه الجرائم، ويجب إخضاع هؤلاء المجرمين لمحاكمة سريعة تنزل بهم العقاب الرادع. وأيضاً، وما دام أن الشرطة تعرف كل شيئ وخاصة الأماكن الموبوءة بالتطرف، فيجب أن تقام فيها نقاط شرطة دائمة تضم أعداداً كافية، وقد يكون مفيدا أن تضم أفراداً من القوات المسلحة، حتى يمكن التصدى لبوادر الانفلات فى بداياته وقبل أن يستفحل، وإلا لكانت الصورة الرائجة أن الدفاع عن المواطنين أقل أهمية من الدفاع عن أرض الوطن.

وفى كل الأحوال، فإن لا يجوز التحجج بارتفاع التكلفة، لأنها يمكن توفيرها بالإمساك قليلاً من بنود تنفق عن سعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف