ناصر عراق
في جريمة الست سعاد... الجلسات العرفية إهانة للدولة
إذا مرت الجريمة التي طالت السيدة المسنة سعاد ثابت في قرية الكرم بالمنيا بعقد جلسة عرفية للصلح، فاعلم أننا سنشاهد تكرارًا بائسًا لتلك الجريمة المخزية مرة ومرات، ذلك أن الجلسة العرفية تعني فورًا إهدارًا للقانون وغيابًا للدولة.
لم تكن تعرية سيدة عجوز من ملابسها أمام الملأ سوى أحد المشاهد السود في مسرحية مظلمة تتوالى فصولها منذ عقود... تتناول المسرحية كيف تتراجع الدولة -برضاها- عن القيام بأدوارها، مفسحة المجال لجماعات تتاجر بالدين، تحكم وتقرر في محيطها كيفما شاءت، شريطة أن لا تقترب من الرأس الكبير الذي يحكم البلاد!
سمح السادات بذلك، وأطلق جماعات الإسلام السياسي تدمر العقول وتفرض رؤيتها المتخلفة في الجامعات وفي الأماكن البعيدة عن مركز العاصمة (قال لي الدكتور جابر عصفور مرة إنه شاهد بعينيه عندما كان معيدًا بكلية الآداب المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبوالفتوح -الطالب آنذاك- يقود مجموعة من الطلبة المنضمين للجماعة الإسلامية في عام 1971... شاهدهم يقتحمون مسرح جامعة القاهرة ويعتدون على الطلاب في أثناء البروفة ويحطمون الديكورات/ تذكر محيي إسماعيل بعدها بعام في فيلم "خللي بالك من زوزو" عرض في 1972).
قتل السادات على يد الجماعات إياها، وجاء مبارك فلم يغيّر من الأمر شيئًا، بل فتح الباب على مصراعيه لتسطو هذه الجماعات على مهام الدولة، ما دامت لا تملك سلاحًا، وهكذا تشكلت شبكة ممتدة من تلك التيارات المتاجرة بالدين في مناطق الفقر لتقدم خدمات بسيطة للأهالي (مستوصف/ دروس تقوية/ مساعدات عينية من ملابس وطعام إلى آخره)، الأمر الذي جعل الناس تثق بهم ما داموا يقدمون لهم ما لم تقدمه الدولة.
أنت تعرف بقية المأساة، فالجماعات البغيضة فرضت رؤيتها ومنطقها للأمور، ودعمتها أجهزة الدولة ما دامت لا تقترب من السياسة، وهذا ما يفسر إلى حد بعيد كيف استطاعت جماعة الإخوان بأفكارها التي تخاصم العصر أن تضم الآلاف تحت جناحها، وكيف للتيارات السلفية بأفكارها المتشددة الكارهة للحياة أن تجد من يقتنع بها، وكيف لواحد مثل برهامي يصبح نجمًا يفتي ويضلل الناس البسطاء؟
هذه كلها مشاهد بائسة تؤكد غياب الدولة طوال أكثر من أربعة عقود، وهكذا جاءت جريمة تعرية السيدة العجوز ضمن هذا السياق المقرف بحق.
أكثر من 45 جلسة عرفية كما نشرت الصحفية سارة علام في "اليوم السابع" عقدت منذ يناير 2011 حتى الآن للتصالح في جرائم مشابهة بين المسلمين والأقباط، وها هي النتيجة... تكرار الجرائم، ودائمًا الأقباط هم المظلومون لأنهم الأضعف!
فليعلم الجميع أن الجلسات العرفية لن تحل المشكلة، وإنما تفاقمها ما دام الردع غائبًا، لذا لا حل سوى تطبيق القانون بحزم على الجميع وبسرعة مثلما حكمتم على الشباب المعارض للتنازل عن الجزيرتين في 19 يومًا فقط!
ويا ست سعاد لو كان الأمر بيدي لجعلت المصريين كلهم يقبلون رأسك لعلك تقبلين اعتذارنا.