مؤمن الهباء
شهادة .. التمويل الأمريكي المشبوه من أخذ ؟! .. وماذا أعطي؟!
ليس معقولاً ولا مطلوباً ان تضع الحكومة كل المنظمات غير الحكومية في سلة واحدة.. تمنعها جميعا.. أو تضيق عليها جميعا.. أو تتركها جميعاً.. وإنما يجب ان تضع قانوناً واضحاً حازماً.. يحدد المجالات المشروعة التي يمكن ان تعمل فيها هذه المنظمات والمجالات غير المشروعة التي عليها ان تحذرها.. ثم كيف تؤدي رسالتها علناً.. ويكون تمويلها علنا.. وتحت مراقبة الدولة.
هناك - بلا شك - منظمات أهلية وجمعيات ومراكز دراسات تؤدي دوراً اجتماعيا تكافليا جيداً لخدمة المجتمع.. ولسد الثغرات التي تخفق فيها الحكومة.. وهناك منظمات تقوم برسالة حقوقية مهمة ومطلوبة.. لكن هناك ايضا منظمات وجمعيات تؤدي رسالة سلبية.. وتحصل علي تمويل مشبوه بطرق مشبوهة.
وفي الأسبوع الماضي اصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً جديداً أكدت فيه انه "لا يجوز لمديريات التضامن الاجتماعي ان تتخذ من سلطتها التقديرية في الموافقة علي المنح المقدمة لجمعيات حقوق الإنسان أو رفضها ذريعة لاقامة عقبات لا مبرر لها.. وتتعسف في حبس هذا الإذن أو تتلكأ في إصداره مستهدفة من ذلك تجفيف منابع موارد تلك الجمعيات قاصدة شل حركتها".
وقد صدر هذا الحكم في الدعوي المقامة من "الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات". والتي تطالب فيها ببطلان قرار مديرية التضامن الاجتماعي برفض قبول المنحة المقدمة للجمعية من هيئة الوقف الوطني الأمريكية بمبلغ 50 ألف دولار لتنفيذ مشروع الحملة القومية لدعم مشاركة المرأة في إدارة الشأن العام.
وفي الأسبوع الماضي أيضاً كشفت وثائق سرية سربها موقع "ويكيليكس" الشهير عن قيام السفارة الأمريكية بالقاهرة بتمويل بعض النشطاء المصريين سراً.. وتورط بعض المنظمات والأشخاص المشهورين والمراكز في تلقي هذا التمويل المشبوه "السري" بعيداً عن رقابة الدولة لتحقيق أهداف مشبوهة.. والمشاركة في أنشطة مشبوهة.
الأمر مريب بلا شك.. ويستدعي تحقيقات فورية وعادلة وشفافة.. لأن الأسماء التي كشفت عنها وثائق "ويكيليكس" مازالت تعمل علي الساحة.. ومازال لها بريقها.. ويجب ان يعرف الناس ماذا قدمت هذه الاسماء للسفارة الأمريكية مقابل ما أخذته من أموال.. فمن أخذ لابد ان يعطي.. وقد أخذ هؤلاء آلاف الدولارات من السفيرة الأمريكية السابقة مارجريت سكوبي التي كانت تصر علي ان تكون عطاياها سرية ولقاءاتها سرية ومعلوماتها سرية .. وقالت تسريبات "ويكيليكس" وأنهم أدلوا بمعلومات مهمة للسفارة الأمريكية.
وقد تنوعت الأنشطة التي انفق عليها هذا التمويل الأمريكي السخي.. بعضهم حصل علي المال لتأسيس جريدة خاصة شاركت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت في الاجتماعات الأولي لمجلس تحريرها ورسم السياسات مما دفع بعض الكتاب الوطنيين الي الحذر والابتعاد عن مواقع المسئولية فيها.. ومن هؤلاء الصديق المرحوم مجدي مهنا.. وبعضهم حصل علي المال للتمويل الذاتي رغم إدعائه التزام الخط الناصري حتي وصل الي منصب وزير وانكشف أمره.. وبعضهم حصل علي المال تحت شعار الترويج لحرية العقيدة لملف المسلمين والمسيحيين ومراقبة سياسات الميول الجنسية والدفاع عن حرية الاختيار الجنسي.. وبعضهم حصل علي المال مقابل انخراطه في برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي اطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن.
والخلاصة.. ان السفارة الأمريكية بالقاهرة خلفت - عن قصد - حالة من فوضي التمويل الاجنبي اختلط فيها ماهو مشروع مع ماهو مرفوض مصريا.. ويدخل في دائرة التآمر.. وعلاج هذه الحالة يقتضي التزام اقصي درجات الوعي في الفرز وضبط الإيقاع.. حتي لا تسقط مصر في الفوضي غير الخلاقة التي أرادتها أمريكا وإسرائيل.