مع قرب نهاية هذا القرن، لن يكون العالم هو نفسه الذى نعرفه ونعيشه اليوم، ولن تبقى الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأكبر والأعظم والأقوى فى العالم.. أتصور وأظن –وليس بعض الظن إثم– أن العالم الافتراضى على شبكة الإنترنت سيكون هو أكبر وأقوى دولة فى العالم خلال العقود المقبلة، وستقوم الثورات وتنطلق من فضاء هذا العالم المسمى بالافتراضى لتسقط فوق رؤوس الحكام الذين من المفترض أنهم يحكمون عالماً حقيقياً، وسوف تتغير أشياء كثيرة فى العالم، أولها الثقافة التى ستتحول إلى ثقافة عالمية على حساب الثقافات الوطنية.. طيب لو سبنا الكلام المركب وقربنا شوية من المعانى البسيطة يمكن أن أقول أو أدعى أن التعليم مثلاً سينتقل من القاعات المغلقة للشاشات المضيئة وستتحول المدارس والجامعات إلى مجرد مراكز بحثية تنشر ما تصل إليه فى ميادين العلم والأدب والفنون، ومن المخاوف المبررة أن اللغات واللهجات المحلية أو الوطنية سوف تذوب لصالح لغة عالمية جديدة مما سيكون له أثره البالغ على ما نسميه اليوم بالهوية الثقافية وجزء منها الهوية الدينية. ومن المتوقع جداً أن يتراجع تأثير الأديان فى حياة البشر، وربما يتعلق العالم القادم بأديان من صناعة الناس وأخلاق جديدة بعيدة تماما عن ما نعتقده اليوم بأنه دينى وأخلاقى.. دولة العالم الافتراضى بدأ ظهورها فعلياً فى ثورات الشباب فى أوكرانيا والشرق الأوسط وستتسع الدائرة ومن الملاحظ جداً الآن تخوف الكثير من الحكام من دولة الواقع الافتراضى والاتجاه بمحاولات يائسة لخنق هذه الدولة، ولكن يبدو الأمر مستحيلاً، لأن شيطان العالم الافتراضى يتسلل للعقول والنفوس والعيون كالأحلام الهائمة التى لا يمكن السيطرة على وقت ظهورها أو اختفائها. فى دولة العالم الافتراضى ستتحول المشاعر الرومانسية التى ترجمناها شعراً وغناء وفناً خلال قرون مضت إلى مشاعر إلكترونية مبرمجة تقلل من حجم الانفعالات الإنسانية وتجعل الحب سلعة غير مكلفة ومتاحة فى كل وقت وسيكون ذلك على حساب مظاهر أخرى كالزواج الذى سيعزف عنه أغلب الشباب ولذلك أتوقع أن تتراجع نسب النمو السكانى فى العالم بعد قرن مضى حدث فيه ما يشبه الانفجار الكونى الذى رفع سكان الكون فى بداية القرن العشرين من مليار نسمة إلى أكثر من ستة مليارات نسمة بنهاية القرن العشرين.. الحروب التى ستدخلها دولة العالم الافتراضى بنهاية هذا القرن ستكون أكثر دماراً من الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرين، وستكون الحرب العالمية الثالثة عبارة عن مئات الحروب فى كل مكان بالعالم، وسيذهب ضحية هذه الحروب مئات الملايين من البشر وستكون ميادينها فى المناطق الأكثر فقراً بالعالم وكذلك التى يلعب الدين دوراً مؤثراً فى حياة شعوبها.. دولة العالم الافتراضى ستخترق المؤسسات المالية والعسكرية فى مناطق شتى بالعالم وسوف يضعف أمامها دور أجهزة الاستخبارات. أوروبا القديمة والشرق الأقصى والشمال الأفريقى ستبقى مناطق مؤثرة فى العالم وقد تتلاشى من خرائط العالم الجديد دول كثيرة أقربها لنا دول الخليج العربى التى ستبتلعها دوامات الهند وباكستان وأندونيسيا وإيران.. هذه ليست تخاريف ما قبل رمضان، ولكنها مجرد نبوءات افتراضية يمكن تأملها بغض النظر عن الميل إليها أو الاستخفاف بها..