اليوم السابع
خلف أحمد الحبتور
الانتظار الأكثر تشويقًا فى التاريخ الأمريكى
فى 20 يناير 2017، يبصر النور الشخص الأكثر نفوذًا فى العالم، يختاره الناخبون الأمريكيون ليكون رئيسهم والقائد العام للقوات المسلحة الأمريكية وزعيم العالم الحر. الحماسة على أشدّها، إنما تسود أيضًا مشاعر الخوف والرهبة بالدرجة نفسها. تبدو مرحلة المخاض طويلة جدًا، وهذا أمر مفهوم، نظرًا إلى أن المولود الجديد سيكون قادرًا على التحكّم بالزر النووي، وسوف يقود الجيش الأعتى فى العالم ويسيطر على الاقتصاد الأكبر الذى يمكن أن تصنع ارتداداته الاقتصادات الأخرى أو تتسبّب بانهيارها. قبل ثمانية أشهر من يوم الخامس من يناير 2017، موعد إعلان اسم الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، يترقّب العالم النتيجة على أحرّ من الجمر، لا سيما أننا نعيش اليوم فى واحدة من المراحل الأكثر اضطرابًا وعنفًا فى التاريخ المعاصر، حيث تعيث النزاعات خرابًا، ويتفشّى الإرهاب والتعصّب، هذا فضلاً عن الاحتباس الحرارى والانحرافات الاجتماعية، وقد باتت كل هذه الآفات موضع قبول، لا بل يُحتفى بها وكأنها المعيار السائد. عقارب "ساعة الهلاك" تقترب من منتصف الليل، ويعتقد بعض القادة الدينيين الأمريكيين أن يوم القيامة بات وشيكًا. وحده الخالق العليم سبحانه وتعالى يعرف متى سيحلّ هذا اليوم، لكن الإسلام يحدّد خمسين من العلامات الكبرى والصغرى لهذا اليوم منها وفاة العلماء، وانتشار الجهل، وفقدان عامل الثقة عندما يسند الأمر إلى غير أهله. فى هذه المحطة المصيرية، تكتسب القيادة والتوجيه الأمريكى طابعًا أساسيًا للحفاظ على الأمن والاستقرار فى العالم. تحتاج الولايات المتحدة والمجتمع الدولى إلى قيادة قوية وراسخة تبدى استعدادًا لرأب الانقسامات فى الداخل، ومكافحة الفقر، والعمل بالتعاون مع الدول الأخرى لدرء التهديدات. تفتقر واشنطن إلى مثل هذا القائد منذ عهد الرئيس بيل كلينتون الذى بنى علاقات جيدة، واستحدث أكثر من عشرة ملايين وظيفة، ونجح فى تحويل العجز فى الاقتصاد الأمريكى إلى فائض. غير أن جورج دبليو بوش بدّد هذا الفائض على حروب عقيمة، فى حين أن الرئيس أوباما شخصية خلافية ومسبّبة للانقسام ويُتَّهم بأنه يقود من الخلف. إذن الولايات المتحدة التى نادرًا ما عانت إلى هذه الدرجة من الاستقطاب السياسى والاجتماعى، هى فى الجوهر فى حاجة ماسّة إلى رئيس جامع قادر على توحيد الأمّة حول القيم التى تأسّست عليها أمريكا، والتى تتعرّض اليوم لخطر الانهيار بسبب رهاب الآخر فضلاً عن قومية يمينيّة منحرفة يؤجّجها أحد الطامحين للرئاسة. الخشية هى أن تُدمَّر العلاقات التى بنيت بين الدول على مر القرون أو تتعرّض للضرر. عدد المواطنين الأمريكيين الذين لهم حق التصويت هو 240 مليون أمريكي. ولادة الرئيس مهمّة ملقاة على عاتقهم. فهل يُنتِج حمضهم النووى منقذًا يسير بنا نحو عصر جديد من السلام والازدهار أم جاهلاً مغرورًا يؤجّج بطريقة شيطانية نيران الكراهية والعنف والتمييز، فيدفع بعالمنا نحو الدمار؟ كان لديهم الوقت الكافى لدراسة صور الموجات فوق الصوتية، وتصوير مزايا المرشحين الثلاثة وعيوبهم بالأشعة السينية، لكن لسوء الحظ، المرشح الأكثر إثارة للإعجاب بين الثلاثة يتم إقصاؤه بسبب المنظومة المجحفة المطبّقة قبل الولادة، والتى يتم بموجبها اختيار المرشحين من قبل الأعضاء الحزبيين وليس عن طريق التصويت الشعبى. من المرجّح أن المنافسة النهائية ستكون بين مرشحَين يفتقران إلى المزايا الشخصية المحبّبة، بحسب ما تشير إليه استطلاعات الرأى. الاعتقاد بأن الانتخابات ستوصِل منقذًا إلى سدّة الرئاسة هو للأسف، ضرب من الخيال فى هذه المرحلة، لكن يبقى هناك مجال للتفاؤل شرط عدم وصول المرشح الوحيد الجامح وغير القابل للتوقع إلى سدّة الرئاسة. كل من يدخل المكتب البيضوى سوف تَظهر العيوب التى يعانى منها إلى العلن. لكن يؤمَل بأنه لدى تسلّمه المنصب، سوف يكون على قدر المسئولية؛ وإذا فشل فى ذلك، الأمل هو أن تمنعه المنظومة الأمريكية الحكومية فضلاً عن الوزراء والمستشارين من اتخاذ خطوات غير حكيمة. هذه هى إحدى المزايا الأساسية فى الديمقراطية. لا يملك شخص واحد كل الأوراق. بعيدًا من مخاوفى بشأن الخيار الأمريكى، أتمنّى الأفضل للشعب الأمريكى الذى تربطنى صداقات وثيقة بعدد كبير من أبنائه. أنا معجَب جدًا بكل ما حققته الولايات المتحدة فى جميع الميادين تقريبًا، وممتنٌّ لكل ما قدّمته للعالم. للأمريكيين كل الحق فى أن يعتزّوا ببلادهم ورايتها، ولا عجب فى أن كل هذه الضجة هى جزء من قصة النجاح الرائعة والملهمة. تبقى أمريكا منارة متعدّدة الإثنيات والأديان للمحرومين والمظلومين. إنه مجتمع منفتح يشجّع حرية التعبير عن الرأى والسعى إلى تحقيق الذات. معاذ الله أن تتحوّل الولايات المتحدة حصنًا منعزلاً تحيطه جدران شاهقة. أرجوكم، أيها الأمريكيون، لا تسمحوا بأن يُغرَّر بكم فتنحرفون عن المسار الصحيح والمجرَّب الذى وطأته أقدامكم مرات كثيرة من قبل وتبيّن أنه مناسب تمامًا لكم! لا تنخدعوا بالوعود الكاذبة! ارفضوا أن تتحوّلوا إلى ضحايا للسياسة القائمة على بث الخوف فى النفوس! تمسّكوا بمبادئكم وبحبكم بعضكم لبعض، بغض النظر عن اللون أو المعتقد الدينى. ثمة ميزة تجمعكم – حبّكم لوطنكم العظيم. لهذه الأسباب وسواها، أدعو الله سبحانه وتعالى كى نكتشف فى يناير المقبل أن المولود أنثى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف