د. حسين عمر
المجانيين لا يذهبون الى الطبيب
عندما يقترح أحد عليك أن تذهب الى طبيب نفسى تكون الإجابة الحاضرة غالباً: "ليه هو أنا مجنون ولا إيه؟!". ولكن فى الحقيقة أن المجانين لايذهبون الى الطبيب لأنهم لا يدركون حقيقة مرضهم وبالتالى فهم لا يعتقدون أبداً بأن لديهم حاجة لرؤية طبيب.وهذه هى أكبر مشكلة فى علاج الأمراض العقلية وهى رفض المرضى للدواء. فى الغالب الأعم من يذهبون لإستشارة الطبيب النفسى هم أكثر ناس لديهم بصيرة لأنهم لا يخبئون رؤوسهم فى الرمال ولديهم الفطنة لإدراك أن هناك شئ ما خطأ ولديهم الشجاعة فى أن يطلبوا العون لإصلاح الأمور. مثل هؤلاء الأشخاص غالباً ما تكون شكواهم : اكتئاب, قلق, اضطرابات نوم,وسواس قهرى وجميعها أمراض لا تؤثر على القدرات العقلية للمريض ولكن تسبب له مشاكل نفسية وإجتماعية كثيرةوهذا ما يدفعهم لطلب العون. أما من نطلق عليهم لقظ" مجانين" فهم مصابون بمرض يسمى "الفصام" أو الاسم الشائع "شيزوفرنيا" وهو مرض مزمن وللأسف يؤثر على القدرات العقلية للمريض وغالبا يفقده القدرة على مواصلة حياته بشكل طبيعى ويؤدى فى النهاية الى الإنعزال الكامل للمريض عن مجتمعه. الأمراض النفسية والعقلية المذكورة سابقاً تعتمد بشكل أساسى على العلاج الدوائى وعلى الرغم من انتشارهذه الأمراض فإنها لا تمثل إلا الجزء الأصغر من المشاكل النفسية. أما الجزء الأكبر فيتمثل فيما يعرف باضطرابات الشخصية التى تشيع بين كثير من الناس. واضطرابات الشخصية تتسبب فى الكثير من المعاناة للمريض ومن حوله. وهى ليست أمراض بالمعنى المعروف للكلمة وبالتالى فهى لا تستجيب للأدوية والعلاجات الطبية ولكن العلاج الأساسى لها هو العلاج بالكلام أو ما يُطلق عليه "جلسات العلاج النفسى". وفى العشرين عاما الماضية شهد هذا النوع من العلاج تطوراً مذهلاً ولدينا الان عشرات من الطرق العلاجية الفعالة والتى تعالح اضطرابات الشخصية بفعالية عالية ودون اللجوء لأى عقاقيرطبية. وقد يستغرب الكثيرون : كيف يكون للكلام القدرة على علاج المشاكل النفسية؟ وهذا سؤال مهم للغاية والإجابة عليه ملحة وخاصة فى ظل انتشار كثير من أساليب النصب والاحتيال على المرضى عن طريق من يطلقون على أنفسهم فى مصر مصطلح "استشارى الصحة النفسية" أو "رواد التنمية البشرية". العلاج بالكلام له تاريخ طويل يرجع لعام 1895 على يد عالم النفس الأشهر "سيجموند فرويد" وبالرغم من ريادة فرويد واسهاماته الكثيرة فى هذا المجال إلا أن أغلب نظرياته وطرق علاجه قد تم الإستغناء عنها حيث أثبت التطور العلمى عدم دقتها. منذ ذلك الحين بدأ العلاج بالكلام يتطور تدريجياً حتى وصل إلى مرحلة متقدمة للغاية فى مساعدة المرضى للتغلب على مشاكلهم النفسية وبالأخص اضطرابات الشخصية. والموضوع أكبر وأعمق من مجرد "شوية كلام". فالعلاج يبدأ عن طريق تقييم شامل للمريض من كافة الجوانب النفسية والأسرية والاجتماعية والثقافيه والفكرية ثم يتبع ذلك تصميم برنامج علاجى دقيق ومتكامل ويتم اختياره حسب ظروف المريض ويتم تقسيمه إلى مراحل علاجية محددة وتخضع كل مرحلة لتقييم مستمر.هذه العلاجات تستخدم مزيجا من أساليب العلاج السلوكى والمعرفى والعاطفى بنسب متفاوته تعتمد على درجة اضطراب الشخصية . هذا النوع من العلاج النفسى يحتاج إلى تدريب شاق ومكثف وسنوات طويلة وتحت إشراف متخصصين لكى يتم تأهيل المعالج النفسى بالشكل العلمى الذى يجعله قادرا على مساعدة المرضى بأتباع أحدث طرق العلاج. ولكن للأسف فى مصر "العلاج بالكلام" أو ما يُطلق عليه أحياناً مُصطلح "التنمية البشرية" هى مجال من لا مجال له. لا توجد ضوابط تحكمه وتقنن إجراءته وتراقب القائمين عليه. لذا لا عجب عندما نرى أشخاص ليس لديهم أى علم أو أية خبرة تُفتح لهم الفضائيات فيملؤن أدمغة الناس بكلام فارغ وخزعبلات من نوعية العلاج بالطاقة وقانون الجذب.