عبد الرحمن فهمى
مقال.. احتفالاً "مني لنفسي"
سألوني: يعني إليه "جورناليزم الرياضة"؟؟.. سأروي لكم قصصا تجيب علي هذا السؤال مادمت تحبون القصص القديمة.
حتي عام ..1954 كان باب الرياضة هامشياً يحرره صحفي واحد له علاقة بالرياضة خصوصا الأهلي أو الزمالك.. أو كرة القدم بصفة عامة.. كان يحرر الرياضة في جريدة "المصري" إمام حسن بطل مصارعة قديم شقيق محمود حسن بطل العالم في المصارعة وجريدة "الأهرام" جهينة واسمه إبراهيم علام صاحب ومدير نادي رياضي اسمه القاهرة وجريدة "الأخبار" محمود بدرالدين أول سكرتير لاتحاد الكرة وأسطورة رياضة لم تأخذ حقها في الدعاية.. يكفي أن أقول لك إنه كان عضوا دائما في "الفيفا" اتحاد الكرة الدولي وكان يحرص علي حضور كل اجتماعاته.. وفي آخر اجتماع له وكان في روما.. عند عودته بعد الاجتماع في طريقه إلي القاهرة فاجأته أزمة قلبية وتوفي في الطائرة ومات فكتب عنه علي أمين "خير من كتب العمود اليومي" كتب عنه: "مات بدرالدين نجم الكرة الكبير في الطائرة وسط نجوم السماء"!!!.. "مات النجم وسط النجوم".
***
نعود إلي قصتنا..
كان أستاذي موسي صبري رئيس سكرتارية تحرير "الأخبار" وجاء بيان حكومي هام وعاجل في آخر الليل فنزل موسي صبري إلي المطبعة بسرعة وقام بتغيير مانشيت الصفحة الأولي مع عشرة أسطر أو أقل أو أكثر وأخذ يبحث عن مكان لبقية البيان الهام فوجد كل الصفحات ذهبت إلي المطبعة الكبيرة عدا صفحة واحدة في ذيلها موضوع علي ثلاثة أعمدة سأل موسي عامل الصفحة عن الموضوع فقال له "الرياضة" فيه موضوع علي عمودين وعمود أخبار قصيرة!!! فقال له موسي صبري: ارفع الموضوع وخذ البقية واترك الأخبار!!!
في الصباح اتضحت "الجريمة"!!! كان هذا الموضوع عن مباراة الأهلي والزمالك.. وكان العمود أخبارا عن الإيراد والجمهور والحكم!!! وغيرها.. أخبار قصيرة سريعة علي هامش المباراة.. ولم يظهر وصف وتحليل "شيخ الكرة" الكبير محمود بدرالدين!!! كانت جريمة فعلا.
***
ثم تقول لي كان فيه صحافة رياضية قبل .1954
نعم.. كان الصحفي المبتدئ "عبدالمنعم الصاوي" يعمل في إحدي الصحف العربية في لندن وكان يراسل جريدة "المصري" بقصص مشوقة جدا عن بطولة العالم للاسكواش التي كانت حائرة بين عبدالفتاح باشا عمرو سفير مصر في لندن!!! وصديق شخصي للملك فاروق!!! وبين محمود عبدالكريم "البولار" الصبي الذي يجمع الكور حول الملاعب في نادي الجزيرة.. كانت قصصا مشوقة بأسلوب سهل ممتنع.. كان عمال المطبعة يعملون بروفات علي هذه المواضيع ليقرأوها خلال عملهم!!!.. ثم قصص عبور المانش وأبطالها حسن عبدالرحيم ومرعي حسن حماد.. قبل ظهور الشاذلي وأبوهيف بعد ذلك بمدة طويلة.
لم تكن تحتسب هذه الموضوعات رياضة.. بل موضوعات صحفية في صفحات الريبورتاج!!! وبهذه الموضوعات اشتهر الصاوي وأصبح وزيرا.
***
هناك مثال آخر يوضح الصورة أكثر.. ماذا كان الوضع في أبواب الرياضة ثم كيف أصبح بعد ذلك مباشرة.
أيضا في ..1954 في ديسمبر آخر العام.. زار القاهرة فريق المجر الدولي برئاسة بوشكاش أسطورة الكرة العالمية.. جاء الفريق بعد أن حقق معجزتين.. فاز علي انجلترا في عقر دارها الأول مرة في التاريخ.. وبكام؟؟.. ستة - ثلاثة!!!.. إنجلترا تحدت المجر وطلبت إقامة مباراة "ثأرية" في بودابست عاصمة المجر.. ففازت المجر أيضا "7-1"!!! الفريق الأسطورة في مصر ولا أحد هنا!!
وبإلهام من الله عز وجل أخذت المصور الفنان محمد صبري كبير مصوري دار الهلال وذهبنا إلي سفارة المجر وأخذنا حديثا 12 صفحة مجلة مع فيلمين صور لبوشكاش.. لا تقل لي كرة أو رياضة.. حديثا شاملا.. قالوا لي: أنت مجنون.. أعطوا الحديث للمرحوم محمد نجيب رئيس قسم المراجعة في المصور لاختصاره إلي أقل من صفحة فخطف الموضوع مرسي الشافعي مدير التحرير وذهب به إلي فكري باشا أباظة الذي أمر بنزوله كما هو وصورة كبيرة علي الغلاف!!! كان أول عمل صحفي رياضي لي.. وبدأنا المشوار.. ربما كان هذا العمود احتفالا "مني لنفسي"!!! بمناسبة مرور 65 سنة صحافة!!!