مؤمن الهباء
شهادة .. سفير إثيوبيا.. المدهش!!
سُئل محمود درير غيدي سفير إثيوبيا بالقاهرة عن التصريحات المستفزة التي أدلي بها وزير الإعلام في بلاده عن أضرار سد النهضة علي مصر فتهرَّب من الإجابة مثل معظم الدبلوماسيين وغيَّر الموضوع.. فاتهم بعض وسائل الإعلام والصحافة المصرية بالافتقار إلي الموضوعية والمصداقية في نقل أخبار السد وتناول العلاقات المصرية الإثيوبية بمفاهيم بالية عفا عليها الزمن.. ولم ينس أن يطالبنا بالتعامل مع سد النهضة كحقيقة واقعية.
والسفير الإثيوبي دبلوماسي محترف مدهش.. يتحدث العربية بطلاقة.. ومدرب علي الجدل والكر والفر دون أن ينزلق إلي لُب القضية التي لا يريد الخوض فيها.
والقضية التي دعي إلي الحديث فيها تتعلق بالتصريحات الاستفزازية التي أدلي بها وزير الإعلام والاتصالات الإثيوبي جيتاشو رضا لصحيفة "الشرق الأوسط" وقال فيها إن الحكومة انتهت من بناء 70% من إنشاءات سد النهضة.. ويمكن أن يكتمل العمل في أي وقت.. السد قائم ولن يتأثر بناؤه بتقارير اللجان الفنية والمكاتب الاستشارية.. أما إذا كان هناك من يري بعد إعداد الدراسات أنه سيتضرر فهذه ليست مشكلتنا في إثيوبيا.
بالطبع لم يتذكر السفير شيئاً من تصريحات والتزامات حكومته بأنها لن تقبل بأي ضرر يقع علي مصر من جراء بناء السد.. ولم يكلف نفسه عناء الاتصال بوزير الإعلام. الذي هو في ذات الوقت المتحدث باسم الحكومة. ليعرف سبب هذا التحول المفاجيء الذي استفز مشاعر المصريين وأيقظ فيهم الخوف علي مستقبلهم وحقوقهم المائية التاريخية التي يجب الحفاظ عليها.. ولو من باب حسن الجوار.
لكننا يجب أن ندرك أن السفير الإثيوبي المدهش دائماً بهدوئه واتزانه صار ينظر إلي هذه الحقوق التاريخية علي أنها كما قال "مفاهيم بالية عفا عليها الزمن".
هل علينا الآن أن نعترف بالحقيقة التي وضعتنا إثيوبيا وجهاً لوجه أمامها حتي لا نخدع أنفسنا؟!
لقد ماطلت كثيراً في المفاوضات.. وتلكأت وتمنعت.. حتي صار السد أمراً واقعاً مفروضاً.. لا يمكن إدخال أي تعديلات عليه مهما كانت الأضرار التي ستصيبنا.. وتصورت أنها ضيَّقت علينا دائرة الاختيارات والمناورات.. فلم يعد أمامنا من بديل آخر غير الاعتراف بالأمر الواقع والتسليم به رغم قسوته.
ما من مواطن مصري اطلع علي تصريحات وزير الإعلام الأثيوبي إلا وغلي الدم في عروقه من هذا الاستفزاز الفاجر.. ليس فقط في مسألة السد وإنما أيضاً في الحديث عن العلاقات الوثيقة مع السودان والاستثمارات السعودية لديهم.. وهي محاولات مكشوفة لزرع الفتنة بيننا وبين الدولتين الشقيقتين.. لكننا علي يقين بأنهما لا يمكن أن يكون موقفهما ضد مصلحة مصر والمصريين إذا ما كشفنا لهما الحقائق ووقفنا ندافع بقوة في مواجهة الغطرسة الإثيوبية.. وأظن أننا قد وصلنا بالفعل إلي هذه القناعة.. فقد رفض المتحدث باسم وزارة الري الجزم بالتزام إثيوبيا بنتائج الدراسات الفنية مؤكداً أن الدراسات جزء من عملية التفاوض.. وهناك مسارات سياسية وقانونية وفنية تضطلع بها أجهزة مختلفة في الدولة.
ولست أشك في أن دخول الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي علي الخط وحديثه المتواتر عن حقوق مصر الثابتة في نهر النيل وقانون الأنهار الدولية والاتفاقات والمواثيق التاريخية والمسار القانوني للمفاوضات مجرد صدفة.. بل هو فتح الثغرات في الجدار الذي وضعته إثيوبيا علي طريق المفاوضات.. ومازال الطريق طويلاً.. لكن لن تخدعنا مرة أخري تصريحات السفير المدهش.. وحكومته التي تتعامل بألف وجه.