مؤمن الهباء
شهادة .. أمريكا.. والإنقلابات الناعمة
الآن.. وبعد حوالي أسبوعين علي الإطاحة برئيسة البرازيل "ديلما روسيف" في 12 مايو الحالي عبر التصويت لإقصائها في مجلس الشيوخ تشير أصابع الاتهام إلي تورط أمريكا في تدبير هذا الانقلاب الناعم من أجل تغيير نظام روسيف المناوئ.. ووضع شخصية موالية لها في موقع الرئاسة هو ميشال تامر نائب الرئيس الذي تولي السلطة بالوكالة حتي انتهاء مدة الرئاسة الحالية أواخر 2018.
وكان ميشال تامر حليفا للرئيسة اليسارية المعزولة.. وشارك مع حزبها في ائتلاف حكومي لمدة خمس سنوات قبل أن ينقلب عليها ويدعو حزبه إلي الانسحاب من الائتلاف الحاكم.. وتتحدث تقارير عديدة حاليا عن علاقته الوثيقة مع واشنطن.. وأكد موقع "ويكيلكس" الشكوك التي دارت حول وقوف أمريكا وراء الاطاحة بـ "روسيف".. حيث نشر وثيقة تفيذ بأن ميشال تامر كان عميلا أمريكيا.. وعمل مع المخابرات المركزية والجيش الأمريكي.. وقدم معلومات حساسة إلي السفارة الأمريكية في البرازيل.
وذكرت هذه التقارير أن المخابرات الأمريكية عملت منذ سنوات للسيطرة علي الأحداث في البرازيل لتقويض النظام المناوئ هناك.. فقامت بتسريب معلومات وبث شائعات ضد قيادات حزب العمال الحاكم والدوائر المقربة من "روسيف" والرئيس السابق "لولادي سيلفا".. وذلك عبر اذرع ثلاث هي أجهزة الأمن الخاصة والقساوسة المتعصبين والنخبة السياسية الفاسدة التي تم زرعها في مجلس الشيوخ بهدف زعزعة استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
وبعد أن نجحت تجربة الانقلاب الناعم في عزل رئيسة البرازيل تسعي الأجهزة الأمريكية الآن لتطبيق نفس السيناريو مع الأنظمة غير المتعاونة أو غير الصديقة في أمريكا الجنوبية التي تعتبرها الولايات المتحدة فناء "خلفيا" لها.. ولا تسمح لأي من دولها بالخروج عن السيطرة.. وقد جاء الدور علي رؤساء كل من فنزويلا وبوليفيا والأكوادور.
وتعتمد الانقلابات الأمريكية الناعمة علي وسائل جديدة لتنفيذ الأجندة.. فالطريقة البرلمانية الدستورية التي تم بها الاطاحة برئيسة البرازيل استوجبت اصطناع المعارضة وإثارة الاحتجاجات في الشوارع.. ونشطت أجهزة المخابرات الأمريكية في تلفيق التهم وتهييج الرأي العام.. ثم تكوين لوبي داخل البرلمان وذلك لتطويع القانون لخدمة الهدف الأكبر وهو الاطاحة بالنظام.
ويرصد مركز "جلوبال ريسيرش" البحثي أن عمليات الانقلاب الناعم تسبقها عادة تحضيرات متأنية تتضمن حملات إعلامية شعواء تهدف إلي شيطنة النظام الحاكم وتصعيد الاستقطاب السياسي إلي أقصي درجة ونشر الشعور بالخوف والعدوانية والتحذير من حرب أهلية.. واطلاق سيل من التقارير السلبية.. بالإضافة إلي تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج.. وزعزعة الثقة في النظام وتشويه سمعة مؤسسات الدولة بشكل منهجي لإثارة الفوضي التي هي الوسيلة الأفضل لتغيير النظام.. لتكون هناك في النهاية رسالة واحدة واضحة هي لابد من تغيير النظام المستبد الديكتاتوري أو الذي في طريقه لأن يكون مستبدا وديكتاتوريا.
وتري وكالة "سبوتنك" الروسية ان ما حدث في البرازيل وما سيحدث في فنزويلا وبوليفيا والاكوادور له عواقب سيئة للغاية.. ليس فقط لأنه هزيمة للجهود الرامية إلي بناء عالم متعدد الاقطاب بل أيضا لأنه انتصار لأمريكا في سعيها لتدمير دول مجموعة "البريكس" التي تعتبر منافسا اقتصاديا كبيرا لها.. وتضم هذه المجموعة البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب افريقيا.. وهناك الآن قلاقل في جنوب افريقيا.. وفي فنزويلا يتم تجميع التوقيعات اللازمة للاطاحة بالرئيس نيكولاس ما دورو.
بقي أن أقول إن الدول المستهدفة بالانقلابات الناعمة سواء في أمريكا الجنوبية أو في مجموعة البريكس هي في غالبيتها دول داعمة لدول الشرق الأوسط في مواجهة الهيمنة الأمريكية.. وداعمة للقضية الفلسطينية في وجه التجبر الإسرائيلي.. وهو ما يجعل لاستهداف أنظمتها الحاكمة واستبدالها بأنظمة حليفة أبعادا أكبر من مجرد كسر إراتها وإعادتها إلي بيت الطاعة الأمريكي.