مؤمن الهباء
شهادة .. الحقوق قبل السلام
سوف يسمع العرب كلاماً كثيراً جميلاً عن السلام وفوائده في المؤتمر الدولي الذي تستضيفه فرنسا بعد غد الجمعة حول القضية الفلسطينية تطبيقاً للمبادرة الفرنسية من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتشارك فيه 26 دولة من بينها 4 دول عربية هي مصر والسعودية والأردن والمغرب.. سوف تتحدث الوفود كثيرا عن ضرورات السلام والأمن ومقاومة الارهاب.. وقد نبه أبومازن - الرئيس الفلسطيني" في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ السبت الماضي إلي أن السلام قبل التطبيع مع إسرائيل.. والسلام يعني الالتزام بالمبادرة العربية وبقرارات الشرعية الدولية لإقامة دولة فلسطينية علي حدود 4 يونيه 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
هل استشعر أبومازن أن هناك رغبة لدي بعض العرب للتطبيع مجانا مع اسرائيل قبل التوصل إلي السلام فأراد ان يذكر الجميع بأن السلام قبل التطبيع؟!.. ربما.. فالدنيا تتغير بسرعة من حولنا.. والمواقف تتغير.. والمصالح أيضا تتبدل وتتغير مع الزمن لدي من لايعرفون غير لغة المصالح.
والحقيقة ان السلام كلمة رائعة.. لكنها في سياق القضية الفلسطينية تحديدا يجري تحميلها بمدلولات خادعة.. فمن يمكن ان يكون ضد السلام؟!.. لاخلاف علي ضرورة السلام وأهميته.. وكلنا نريد السلام.. لا مشكلة في ذلك.. إنما المشكلة الأساسية هي مشكلة الحقوق المغتصبة.. تغتصب أرضي ومقدساتي ثم تقول هيا نوقع علي وثيقة السلام والمحبة؟!
رد الحقوق إلي أصحابها يجب أن يسبق أي حديث عن السلام.. وأي توقيع علي بيانات ودعوات السلام.. وفي استطاعة العرب ان يجعلوا من مؤتمر فرنسا ومبادرة فرنسا دعما قويا لقضيتهم الأساسية.. القضية الفلسطينية.. إذا ما تمسكوا بوحدة الموقف التي أكد عليها اجتماع وزراء الخارجية الأخير بالقاهرة.. وإذا ما تحدثوا أمام العالم بلغة واحدة وأظهروا قدرا من القوة للضغط بها.. والتزموا باستراتيجية موحدة.. وتنبهوا إلي الفخاخ التي تنصب لهم.. ومن أهم هذه الفخاخ تحويل المؤتمر إلي مظاهرة لإدانة العنف والارهاب الذي هو بالضرورة إرهاب العرب والمسلمين والمقاومة الفلسطينية وليس إرهاب اسرائيل المغتصبة للأرض والمقدسات.. والدعوة الي ضرورة وضع أسس للسلام والتعاون بين شعوب المنطقة لمجابهة الارهاب.. ومنها بالطبع شعب اسرائيل.
نعم.. السلام قبل التطبيع - ولكن الحقوق يجب ان تسبق السلام- ولا سلام بدون اقرار للحقوق وردها لأصحابها.. لاسلام بدون ثمن.. وثمن السلام حصول الشعب الفلسطيني علي أرضه ومقدساته.
سوف تكون هناك اغراءات وكلام كثير عن المصالح المشتركة.. والمستقبل الزاهر الذي تصنعه المشروعات والاستثمارات المشتركة لتغيير وجه الشرق الاوسط.. فتتحول الأنظار عن القضية الاساسية.. ويسيل اللعاب.. وما أكثر ما سال اللعاب.. ثم اتضح ان المسألة كلها خدعة.. لم تحل أية مشكلة لاي شعب في المنطقة وفي العالم أجمع الا بسواعده وارادته وجهده وعرقه وليس بالضرورة بالتعاون مع الاسرائيليين والتطبيع والدخول في بيت الطاعة الامريكي.
تاريخ التفاوض العربي الاسرائيلي لايطمئننا.. والوساطات الغربية لاتطمئننا.. فالحذر كل الحذر من لعبة الأمم.. ومن أية تنازلات مجانية وقرارات التفافية ومساومات جانبية.. الحذر كل الحذر من شق الصف واختلاف الرأي - لأنهم سيلعبون علي أوتار التناقضات العربية العربية.. وسيحاولون البحث عن أضعف ثغرة للنفاذ منها.. والسوابق في ذلك أكثر من ان تحصي.
النيات الحسنة مطلوبة.. والتفاؤل مطلوب.. لكن الحذر واجب.. لم يعد هناك مايمكن التفريط فيه.. ولو عاد المفاوضون دون تنازلات ودون تفريط ودون انجاز فلن يعيبهم شيء.. وإنما العيب سيكون في الاستجابة للإغراءات والضغوط من أجل مكاسب متوهمة وآتية علي حساب حقوق الشعب الفلسطيني.. الذي ضحي بأرواح أبنائه ومازال يضحي من أجل حريته ودولته المستقلة.. ليعيش في سلام وأمان مثل كل شعوب الارض.