على هاشم
دخلاء الإعلام.. فضيحة الجارديان.. وتسريبات ويكيليكس..!!
الآن.. ظهر الحق.. واعترفت صحيفة الجارديان البريطانية بفبركة تقاريرها عن مصر منذ عام 2009 وحتي اليوم.. فعل ذلك مراسلها بالقاهرة.. اعتراف الجارديان دليل إدانتها. واعتذارها لا يكفي لرد الاعتبار لمصر وشعبها مما جري من تشويه لصورتنا في الخارج. ولا لإعادة المصداقية للجريدة الممولة من أحد أطراف الشر.. وسواء حاسبت الصحيفة الإنجليزية مراسلها ¢المفبرِك¢ أم لم تحاسبه فلا بد من تحرك قوي للدولة المصرية ترد به علي من تطاول وأساء إليها. حتي لو اقتضي الأمر رفع دعاوي قضائية والرجوع بالتعويض علي تلك الصحيفة التي لا يكفي اعتذارها للتكفير عن خطاياها في حق مصر والمصريين. حتي تكون عبرة ودرسًا لكل من تسول له نفسه النيل من مصر بالقول أو بالفعل. وتجريس الإعلام المغرض. وحتي يعلم الرأي العام العالمي كيف أن الإعلام الغربي يتخلي عن المهنية والموضوعية إذا تعلق الأمر بمصالح بلاده علي حسابنا.. فالغرب لم ينس أنه ¢ مستعمر ¢ ولا يروقه أن تصحو بلادنا من كبوتها. فيحاول إعادتها إلي مستنقع الفوضي وبئر التبعية الكريهة.
وليس بعيدًا عن مساوئ الإعلام وسوءاته ما جري من مهزلة في برنامج ¢العاشرة مساءً¢ لمقدمه وائل الإبراشي.. حيث تشابك الضيفان "شوبير والطيب" بالأيدي. وتلاسنا بألفاظ خادشة للحياء علي مرأي ومسمع ليس ملايين المصريين في البيوت فحسب ولكن أمام العالم أجمع.. فهل يكفي اعتذار قناة دريم عما حدث علي شاشتها.. وأين الرسالة الإعلامية أو القيم الإنسانة فيما رأيناه من إهدار للأعراف والتقاليد ومواثيق الشرف الإعلامي.. ولا أبالغ إذا قلت إنه سفك لدماء الحرية. وإهانة للإعلام وبرامج ¢التوك شو ¢ لم نره إلا في ¢الجزيرة القطرية¢.. وما أدراك ما الجزيرة.. رائدة الهدم والتخريب والفتنة!!
لقد أخطأ الثلاثة "مقدم البرنامج الإبراشي. والمذيع الرياضي أحمد شوبير. والمعلق الرياضي أحمد الطيب".. أخطأوا في حق مشاهديهم وفي حق أنفسهم. وفي حق المجتمع الذي كان أحوج إلي ترفعهم عن السقوط في مثل هذا المسلك المعيب..ولا تفسير عندي لما نراه من انحطاط إعلامي تسارعت وتيرته بعد ثورة يناير إلا تغييب هيبة القانون. وحضور الضجيج والصياح وصراع المصالح.ومن ثم فلا مرد له. ولا إصلاح إلا بالتمسك بتطبيق القانون علي الجميع كما قال الرئيس السيسي في معرض تعليقه علي حادثة المنيا.
نتمني علي غرفة صناعة الإعلام ومن قبلها قناة دريم أن تنتفضا دفاعًا عن حرية الإعلام التي أهينت ممن ينسبون أنفسهم إليها. وألا يقتصر الأمر ـ كالعادة ـ علي بيان شجب. أو وقف مؤقت للبرنامج أو لشخوص المسيئين حتي تهدأ ثائرة الرأي العام. ثم تعود ريما لعادتها القديمة. ودون عقاب أو ردع أو حتي زجر !!
نتمني علي الدولة والمجتمع كله أن يستنفروا قواهم وعزائمهم لتصحيح مسار الإعلام بالقانون.. ليس خصمًا من حريته بل كبحًا لشططه وخروجه عن الأولويات الوطنية الواجبة.. نريد حلولاً جذرية تعالج خللاً أخلاقيًا أصاب المجتمع بحالة غثيان وقرف مما يشاهده علي بعض الفضائيات من برامج سفكت دماء الفضيلة. وداست علي قيم المجتمع. وخاصمت قيم التقدم والحداثة والإبداع والتنوير الحقيقي.. وما أحسب أن شعبًا أو دولة من دول العالم الحي تفعل بنفسها مثلما نفعل نحن بأنفسنا وبعقول أجيالنا الجديدة ومستقبل أوطاننا.. فالإعلام ليس وظيفته اللغو والجدل والثرثرة والنميمة والفضائحية والابتزاز والدفاع عن مصالح فئوية أو شخصية.. لكنه قيم إنسانية نبيلة. تصوغ وجدان الناس وعقولهم. وتبني وعيًا يزيد المجتمع حصانة وقوة في وجه العواصف والتحديات وما أكثرها!!
¼ أما ما ورد في موقع ¢ ويكيليكس ¢ منذ أيام حول تلقي 25 شخصية سياسية وإعلامية وحقوقية مصرية تمويلاً أجنبيًا فقد توقعنا أن تخرج هذه الشخصيات. وبعضهم ملء السمع والبصر بتوضيح أو تفسير أو نفي لهذه الرواية.. لكنهم لم يفعلوا وكأن الأمر لا يعنيهم.. توقعنا أن يقولوا لنا لماذا تلقوا مثل هذا التمويل..وفيم أنفقوه.. وما مصلحة الممولين من وراء هذا الدفع السخي.. وهل جري استخدامهم لتنفيذ أجندات خارجية. هدفها إشاعة التوتر والانقسام وهدم الاستقرار.. لكنهم قابلوا الأمر باستخفاف ولا مبالاة. ولاذوا بالصمت في موضع شبهة لا يجوز الصمت فيه.. وفي المقابل انتظرنا أن تتحرك الحكومة هي الأخري لتقدم بلاغات للنائب العالم لتجلية الحقائق والتحقيق في هذه الاتهامات.. لكنها لم تفعل مثلما تقاعست بعد حملة التسريبات الأولي التي طالت أسماء معروفة. وكأنها اكتفت بتجريس هؤلاء. وكان حريًا لو طبقت القانون. ووضعت حدًا للبلبلة. وعدم ترك الأمور معلقة. فلا هم مدانون فيلفظهم المجتمع ويعري خبث مقاصدهم. ولا هم أبرياء لا ذنب لهم.. فهم إما عملوا ضد مصر لحساب الخارج.وإما أنهم لم يفعلوا.. تاهت الحقائق في زحام الصمت.. لكن الذي لا خلاف عليه أن أمريكا قامت بحملة ضارية ضد مصر بسبب موقفها من التمويل الأجنبي لمنظمات مجتمع مدني.. فأين الحقيقة يرحمكم الله ؟
واقعة قرية الكرم بأبوقرقاص المنيا كاشفة لغياب القانون أيضًا.إذ لم تتعر فيها سيدة مصرية مسيحية فحسب. بل تعري المجتمع كله. وقد سرني ما قاله الرئيس السيسي بضرورة تطبيق القانون علي الجميع مهما يكن العدد. وهو ما أكده البابا تواضروس الذي طالب بعقاب المخطئ قبل الصلح.. البابا وضع يده علي الداء والدواء. ذلك أن الحسم في تطبيق القانون علي المخطئ. والعدالة الناجزة يسدان أبواب الفتن والفساد. والإحساس بالظلم والتمييز.. تطبيق القانون يقودنا بالضرورة إلي دولة المواطنة.. فلم تعد جلسات الصلح العرفية ـ علي أهميتها ـ ناجعة في رأب الصدع أو تحقيق الردع. ولا عادت لقاءات وشعارات الوحدة الوطنية المعتادة. وتبويس اللحي تمنع من تجدد ذات الأحداث بشخوص مختلفة.. مَنْ أمن العقاب أساء الأدب.. مطلوب محاسبة المتجاوزين والمتقاعسين من المسئولية.. تطبيق القانون علي الجميع هو الحل.. تأجيل أو تغييب العدالة يفتح أبوابًا للفوضي يدخل منها كارهو مصر.. الأخذ علي أيدي الظالمين فريضة يأثم تاركها وهو قادر عليها.. من كان يحب مصر فلا يتاجر بها. ولا يتركها نهبًا للفتن والانقسامات.
¼ نعود إلي مهزلة شوبير ـ الطيب والتي هي كاشفة لفوضي بعض منابر الإعلام. وقد ذكرتني بحكم قضائي صدر منذ سنوات بوقف أحد البرامج الرياضية التي يقدمها أحد الرياضيين السابقين بسبب خروجه علي التقاليد والأعراف ومواثيق الشرف كافة.. أثلج هذا القرار صدري وصدور كثيرين.. فثمة إصلاح لخطأ بدا فادحًا. وتفاءلت به خيرًا. ظنًا بأن الحكم سيطال كافة دخلاء الإعلام بشتي صوره. والذين سمحت ضمائرهم باقتناص فرص عمل لشباب تخرج لتوه في كليات الإعلام تحدوه آمال عريضة في العمل. وتحقيق الذات لكن دخلاء الإعلام لم يشبعوا بما حققوه من شهرة ومال فتكالبوا علي الفضائيات والإذاعات. ناسين أن الأضواء قد تحرقهم إذا لم يكونوا أهلاً لها.
لقد تكبد خريجو الإعلام والصحافة العناء والمشقة في سبيل الحصول علي مؤهل علمي. تعلموا خلاله أخلاقيات المهنة وقوانينها وتقاليدها وأدواتها. فضلاً عما حباهم به الله من موهبة وشغف بالمهنة وقدرة علي التعامل مع سلاح ذي حدين. رغبة في تطويعه لخدمة المجتمع. والذود عنه قيمة والمستضعفين في المجتمع بمحتوي إعلامي عصري هادف. يلمس أوتار القلوب. ويحقق المتعة والمنفعة للمتلقين.. لكنهم بعد طول عناء وجدوا أماكنهم في الفضائيات والصحف والمواقع. وقد ذهبت لمن لم يدرس التخصص العلمي. ولا يملك الموهبة. لكنه تمكن بفضل علاقاته الواسعة أن يقفز علي تلك المنابر. تاركًا هؤلاء الخريجين علي رصيف البطالة والإحباط.. دخلاء الإعلام هم أحد أهم أسباب ما نراه علي الفضائيات من انحدار وانحطاط ونميمة وفتن.. جعلوا الإعلام باحثًا عن الفضائح. ناشرًا للسلبيات والخلافات. مؤججًا للصراعات وخلافات المشاهير التي لا تهم أحدًا. والإثارة السلبية التي تنافي الأخلاق.
غاب ضمير الإعلام عندما غُيب أهله المؤهلون لرسالته.. غاب الفكر الهادف. وظهرت الرداءة وضعف القدرة علي المعالجة الإعلامية الموضوعية للقضايا المصيرية بطريقة ملائمة وجذابة وفعالة.
علينا الاعتراف بأن الإعلام علم لا فهلوة. وصناعة من أخطر ما يكون. لاتصالها ببناء العقول والوعي والرأي العام. والأهم أنه جزء من منظومة فكرية وثقافية وفنية. تعكس وضع الدولة. والمستوي الثقافي والفكري والأخلاقي لشعبها.
وأتعجب كيف لا يُسمح لكائن من كان بأن يمارس مهنة الطب أو الهندسة. أو المحاماة من غير الحاصلين علي مؤهلها العلمي المطلوب.. بل إن نقابة المحامين ـ وهي بالقطع نقابة عريقة ـ ترفض الاعتراف بشهادة التعليم المفتوح في مجال الحقوق. وتتدخل نقابة الأطباء لتحديد الأعداد المطلوبة لكليات الطب من خريجي الثانوية العامة. وهذا ما لا يتأتي لنقابة الصحفيين مثلاً وكان المنطق يقتضي أن يمنع أي شخص غير مؤهل علميًا ومهنيًا وأخلاقيًا من امتهان الإعلام والصحافة. فالمنابر الإعلامية لا تقل خطورتها عن مشارط الجراحين. ولا دفوع المحامين. فهي يمكن أن تقتل أو تصيب بريئًا في سمعته. وتغتاله في غيبة القيم الأخلاقية الحاكمة. ويمكن لو أسئ توظيفها أن تغتال عقل الشعب ووعيه ومستقبله إذا انخرط فيها من لا يحسن فهمها. أو لا يملك أدواتها. أو يتقن الأداء الإعلامي. أو فقد ضميره.
ما أحوج الإعلام لمعايير تحميه. ومواثيق شرف ترقي بأخلاق بعض العاملين فيه ممن أساءوا إليه. وتصون حقوق خريجي الإعلام. وتؤمن لهم فرص العمل والحياة الكريمة لتعود للمهنة كرامتها ومصداقيتها.
ويبقي أخيرًا أن نذكّر بأن حياد الإعلام يعني البعد عن تلفيق الأخبار. أو تحويل الشائعات الكاذبة لمادة حوار أو ردح سوقي لا علاقة له بالمهنية التي غابت عن كثير من وسائل إعلامنا للأسف.. مصر في حاجة لمجلس وطني للإعلام. يعيد صياغة قواعد المهنة وفق معايير دولية وأخلاقية ملائمة.. فإلي متي ننتظر مثل هذا المجلس ؟!