حكي لي صديق عن رجل "يعرف الله". ويواظب علي الصلاة. ويقوم بعمله علي أكمل وجه. أراد زملاؤه أن يردعوه بعد أن سد عليهم أبواب "السبوبة". فاتهموه بأنه إخواني من تلك "الخلايا النعسانة". ودللوا علي وجهة نظرهم بأن الرجل لا يترك الصلاة. فما كان من الأخير إلا أن أقسم ألا يصلي. خوفاً علي نفسه وعلي بيته وأولاده. وتندر آخر بأنه ذهب لقضاء مصلحة في هيئة ما. ولما أفرط الموظف في طلباته. ما كان منه إلا أن هدده بشكواه للجهات المختصة لأنه "إخواني" يعطل العمل ليصيب الناس بالحنق والضجر.
وتحدث ثالث عن سر وصفته السحرية التي جعلت مدير مدرسة أبنائه يدين له بالسمع والطاعة. فقد هدده بإشاعة أنه "إخواني" وعليه أن يثبت عكس ذلك إن استطاع. ومنذ أسابيع. اتهم مذيع ـ وفق إحدي الوكالات الإخبارية ـ نجماً رياضياً كبيراً بأنه "إخواني" مثل "نجم آخر". لأنه يحمل المصحف ويصلي.
لا يمكن أن نتعايش بهذه الصورة.. مرتابين.. يترصد بعضنا بعضاً. والمفروض أننا دولة مؤسسات. وأن مؤسساتنا الأمنية تعلم المفسد من المصلح. والصالح من الطالح. والاتهام لا يجب أن يكون من حق أي إنسان. علا أو صغر.. كما لا يمكن الحكم علي النيات. فهي لرب العالمين. والأهم أن ربط "طيبات الأمور" بالإخوان ليس حقيقياً. ففيمن انتسبوا إليهم وممن لا يعرفهم أحد. من برعوا في كل أشكال الفساد. وبالعكس. البارعون في تلك الأشياء كانوا صيداً ثميناً للإخوان. ومطلباً مرغوباً بالنسبة لهم. علينا أن ندرك أن شريحة كبري في هذا الوطن "تمثل الأغلبية" لا تنتمي إلي أي تيار.. فقط انتماؤها للبلد ولقمة العيش والستر.. تريد أن تحيا في سلام.. هؤلاء هم الذين عانوا في عام الجنون والغيبوبة الذي "نامت" فيه مصر تحت حكم الإخوان. وكان علي أولئك الغلابة أن يدفعوا الثمن لمحاولات التمكين الإخوانية الممنهجة. التي انطلقت في الشارع وفي الهيئات والمديريات ومكاتب التموين والمحليات. تنظر لمن سواهم من الشعب وكأنهم شرذمة خارج طابور "الصفوة المختارة" والمبشرين بالنعيم. ليس معقولاً اليوم. أن يكافأ أي من "الغلابة" علي صبره وتصديه لمن حاولوا سرقة البلاد. بإلصاق تهمة "دخانية" به. وأن يترك غيره من "راكبي الموجة" الآكلين علي كل الموائد. والذين هتفوا للإخوان. ليجنوا ثمار كل عصر. ويتصدروا كل المشاهد. وبعضهم يطلون علينا من الشاشات. "وكأن للشعب" ذاكرة السمك.
ليس معقولاً أن يكون كل صاحب رأي. عدواً. وأن يكون البديل أن تطبل وأن ترقص.. لا يجب في مصر الأزهر أن تحوم الشكوك حول الطيبين. لأنهم يصلون أو يحملون المصحف.. لا تتهموا الأبرياء بما لا قبل لهم به. ولا سبيل أمامهم للبراءة منه.. نحن شعب متدين. فلا تفسروا التدين بأنه "لغير الله".
** ما قبل الصباح
خاسران.. من لعبا بالدين أو لعبا عليه.