محمد جبريل
ع البحري .. السفر إلي بلاد الله
الألبوم الأخضر ذو النقوش. تآكلت أطرافه. وإن ظلت الصور في داخله علي حالها. صور كثيرة. تختلف أحجامها. التقطت في رحلات إلي مدن في العالم: مكة. دمشق. بيروت. نواكشوط. طنطا. دسوق. باريس. مسقط. الرياض. جدة. أبو ظبي. الدار البيضاء. العين. جزر الأوزوروس. برلين. الجزائر. تونس. سوهاج. أسوان. دمنهور. الشارقة. ديرب نجم. الزقازيق. إلخ..... أحب السفر إلي بلاد الله خلق الله. المشاهدة والتأمل والاكتشاف والدهشة واكتساب الصداقات. أوافق علي الفكرة حالا. لا ألجأ إلي مفكرة مواعيد. ولا ان كنت مرتبطا بأحداث خاصة أو عامة. شرطي الوحيد ألا تطول فترة الرحلة عن أيام محددة. غايته أسبوع. إذا طالت المدة. فإن ذلك الشعور الغريب القاسي. المسمي. "الحنين" يناوشك. يسيطر علي تفكيرك. فتهمل الأشياء - مهما تكن جميلة - وتقصر اهتمامك علي سؤال وحيد: متي العودة؟
أميل - بطبعي - إلي السفر بمفردي. أحب الفرجة والتأمل ومخاطبة النفس والأخذ والرد. إذا كانت الرحلة جماعية. فإني أخشي التدخل بما يضايقني. أو يقيدني بوصاية.
ألاحظ في نفسي أني إذا نمت مبكرا. لأتجه إلي المطار في الموعد الصباحي المحدد. جفاني النوم. أظل مستيقظا حتي الصباح. ربما أخذني النوم أول الليل. لكن الخشية في فوات الموعد تسرف في إلحاحها. فأظل يقظا حتي يأتي موعد المغادرة. أتجه إلي حيث المهمة. والجسد مرهق. والذهن مشوش. وكان نومي المبكر لغير ذلك.
حين أعد حقيبتي لرحلة ما. فإني أضع فيها من الكتب ما أتصور أني سأقرؤه في مسافة الرحلة. أقيس المسافة بالوقت. ثمة ساعتان في القطار من القاهرة إلي الإسكندرية. وحوالي أربع ساعات من القاهرة إلي سوهاج. والطائرة من القاهرة إلي مسقط يمتد وقتها خمس ساعات. يتخللها الترانزيت. أقلب الكتاب في يدي أتعرف إلي عدد صفحاته. أحاول تخمين ما استطيع قراءته. ربما تنتهي الرحلة دون أن أتم ما كنت أعددته للقراءة. وربما تنتهي الرحلة - ذهابا وعودة - قبل أن أقرأ الكتب التي أعددتها.
اشتريت "منبه" يرن في الوقت الذي أحدده. صحوت من أول النوم. غفوة ظللت بعدها يقظا. تذكرت المنبه. لكن الخشية لم تفارقني. قد لا اسمع رنين المنبه. أو يصمت المنبه عن الرنين في الموعد الذي اطلبه.
عند تعالي الرنين نظرت إلي الساعة. قلت في غضب: سبقت بأكثر من ساعة.
قال من عهدت إليه بإيقاظي: خفت أن أنسي.
أرفض لحظات الوداع. لا أحبها. مشاعري سهلة التأثر. دموعي قريبة. كما يقول التعبير الشعبي. مجرد أن أمد يدي بالسلام مودعا. حتي يغلبني التأثر. وما ينتج عنه من لعثمة وارتباك وعجز عن منع البكاء. أكتفي بالكلمات لا أصافح. أو ألجأ لتصرف قد يعلو بالمشاعر إلي ذروة معلومة النتائج. انطلق إلي المطار بمفردي. أسافر دون وداع.
ذكرني إسراف المضيفة في العناية بي. ما عانيته وأنا استقل الطائرة من مسقط إلي بيروت. كانت الدنيا في غبشة الفجر. والطائرة خالية إلا مني. مقعدي في الدرجة الأولي. الدعوة موجهة من طيران الشرق الأوسط. وقفت المضيفة علي مقربة. في هيئة من تريد المساعدة. لاحظت صمتي. فسألت: هل تريد شيئا؟
قلت: شكرا.
عادت من البوفيه بكوب عصير. نظرت إلي الكوب الممتلئ أمامي: تريد مشروبا ساخنا؟
وأنا أهز رأسي: شكرا.
لاحظت حركة يدي تعدل الوسادة خلف رأسي. أسرعت بوسادة ثانية. وضعتها خلف الأولي. للفرار من اللحظة تظاهرت بالنوم. شعرت - بعد ثوان. بغطاء ينسحب علي جسدي. كانت قد بسطت بطانية صغيرة. ووقفت في هيئة من يتدبر المساعدة التالية.