المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. قانون الصحافة.. والحريات

لست متشائما.. لكني لأسباب موضوعية أتمني تأجيل إقرار قانون الصحافة الجديد إلي مرحلة مناسبة أفضل من تلك التي نمر بها الآن.. والتي تشهد حالة عامة من التربص بالصحافة والصحفيين وحرية التعبير.. بل وبقضية الحريات وضرورتها في المجتمع.. ومن يقرأ الواقع جيدا سيدرك أن الريح ليست مواتية للخوض في مناقشات ومجادلات بشأن قانون جديد للصحافة.. يعطيها مزيدا من الحرية ومزيدا من الحصانة والحماية.. ومزيدا من الاهتمام والتقدير والدعم.
الحالة العامة من التربص بالصحافة والصحفيين لم تعد تقتصر علي قطاع مهم ومؤثر في الحكومة وأجهزتها.. وإنما تمتد إلي المشرعين الذين سيناقشون القانون ويقرونه.. أعضاء مجلس النواب ورئيسه.. وهؤلاء قد نالهم من نقد الصحافة والإعلام. ومازال ينالهم. الشيء الكثير.. ومعظمهم غير مقتنع أساسا بفكرة الحرية.. وبعضهم كاره لها ويحاربها علنا.. وقد أثر ذلك الموقف من الحكومة والبرلمان تأثيرا سلبيا علي المناخ العام لدي قطاعات معتبرة من الشعب صدقت الدعايات المغرضة ضد الصحافة والصحفيين.. واقتنعت بأن حرية الصحافة لون من الترف والرفاهية يطلبه الصحفيون لأنفسهم.. لأنهم يريدون أن يتميزوا ويضعوا علي رأسهم ريشة.. ويكونوا فوق القانون.. وتكون لهم امتيازات أعلي من الشعب.. ومن ثم شاعت في الأوساط الشعبية غير الواعية حالة من الاستعداء المصنوع ضد الصحافة والحريات.. وهذه ليست أول مرة تحدث في تاريخنا.. فقد شهدناها من قبل مرات ومرات.
وفي ظني أن التعامل الخشن مع الزملاء نقيب الصحفيين والسكرتير العام ووكيل النقابة هو أحد تجليات هذا المناخ العام المتربص ضد فكرة الحرية وضد الصحافة والإعلام.. وهو أيضا علامة لمن يريد أن يفهم توجهات الحكومة ضد أصحاب القلم وأصحاب الرأي.. ناهيك عن أصحاب الرأي الآخر.. المعارض.. الذين يتهمون مباشرة بالعمالة والخيانة والانتماء للطابور الخامس والرغبة في اسقاط الدولة وتعطيل المسيرة.. فلأول مرة في التاريخ يتم اقتحام نقابة الصحفيين.. ولأول مرة يتم حبس نقيب الصحفيين وقادة النقابة وتقديمهم للمحاكمة بتهمة إيواء اشخاص خارجين علي القانون فقط لأن النقابة أرادت أن تقوم بدورها في تسليم الزملاء المطلوبين للعدالة إلي النيابة وضمان عدم تعرضهم للإهانة وانتهاك الكرامة.
واتضح لكل ذي عينين كيف قامت أجهزة الحكومة بتأليب طوائف المجتمع علي الصحافة والصحفيين.. وعلي الإعلام.. وعلي فكرة الصحافة بصفة عامة.. وكيف حشدت المواطنين الشرفاء لحصار النقابة وضرب الصحفيين وإهانتهم واسقاط هيبتهم.. واستغلت في سبيل تنفيذ خطتها أخطاء مهنية كثيرة وسلوكيات مرفوضة ارتكبها بعض الصحفيين والإعلاميين القريبين من الأذرع الحكومية والذين ينعمون برضاها ورعايتها.. ولم يكونوا في يوم ما من المدافعين عن حرية التعبير.. بل كانوا في الجوهر من المعادين لها.
وقد أفصح المستشار مجدي العجاتي وزير الدولة للشئون القانونية والنيابية عن قناعة الحكومة صراحة وهو يزف إلينا عبر صحيفة "الشروق" أمس الأول خبر ارسال مشروع قانون الصحافة والإعلام إلي مجلس الوزراء... حيث قال إن مواد الحريات في الدستور أصبحت عبئا علي الحكومة الآن.
ولا يمكن في هذا المقام تجاهل التحذير الرهيب الذي وجهه رئيس مجلس النواب د. علي عبد العال إلي أعضاء المجلس الذين يتحدثون إلي وسائل الإعلام منتقدين السياسات النقدية للحكومة بإحالتهم إلي لجنة القيم لاتخاذ الإجراءات العقابية ضدهم.. وقد يصل الأمر إلي طردهم من البرلمان.. هذه العقلية لا يمكن أبدا أن تكون نصيرا للحريات .. ولا يمكن أبدا أن توفر مناخا مناسبا لإصدار قانون للصحافة يواكب العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
لذلك أقول وأجري علي الله: في التأني السلامة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف