أوصتني أمي ألا أمسك بتلك الريشة البيضاء الصغيرة التي تهيم في الجو.. قالت لي إنها مثلنا كائن فإن حطت علي اليد علينا أن نمنحها نفحة.. نفخه.. لتكمل طيران فإن لامستها أنهي حياتها وهي أم لها أبناء.. أو مولودة تبحث عن أهلها.
عشت بيقين ألا أؤذي. ورحلت الأم وصارت الفراشات تألفني والزغب يمر أمامي آمنا. التفت بي قطط وطيور - مطمئنة. وحين ظهرت رأس ثعبان. تسمرت قدماي أرضا. فلم أتعلم كيف أركض.. التف بي حتي اعتصرني. لم أتحرك.. ولا تنفست.. فقط استسلمت.. حتي انتهي من ممارسة فطرته الملساء اللزجة وانصرف.. وعرفت وأيقنت أن الحافظ هو الله. فالثعبان ترهقه فريسة لا تعافر ولا تفرفر. فأخذ سمه ورحل. أمام سذاجة التسليم.. وعفوية الرضا.
تذكرت كل مخلوقات الغابة حين مررت بغابة أزرو بالمملكة المغربية إنها رائعة في ضوء شمس صباح.. مبهرة مع غروبها.. كم حلمت بحياة بدائية وفطرة نقية طازجة.. كفاكهة تقطفها يد أمي وتضعها في فمي.. ورأيتها.. قرودا تقفز غير عابئة بوجود بشر.. وكالبشر بينها لص.. يخطف من يدك موزة أو ربما هو أشد شرا والتقط شنطتك دون أن يعبأ بما بها ويلقيها علي بعد خطوات فهو فقط الميل لأخذ ما ليس له.
قرد يذكرني برجل يتزوج بجميلة.. ولا ينظر لوجهها - أو بصاحبة صوت ساحر ليمنعها عن الغناء.. اشخاص في الحياة يخطفون قبعتك ولا يلبسونها فقط لتلسعك الشمس.
وما شأننا بهم الآن.. لنأخذ من الغابة روعتها ونترك لها وحوشها.
زغب رفيع أبيض تبثه شجرة.. زخات زخات أجري كطفلة سعيدة برغاوي لا تحمل شيئا سوي المتعة الفريدة اتمني أن أمسك بواحدة. وأخاف عليها من نهاء حياة.
يضحك من حولي - إنها مجرد نتاج شجرة قررت أن تلقي ببياضها لتتفرغ لاخضرار الكل يشرح أنها ليست كائنا.. وأري بعيناي كيف تطير قليلا وتسقط أرضا.. وتفترش الأرض بياضا ناصعا حريري الطابع.. مخملي الملمس أحبها وأحميها من وطأ أقدام لمجرد انها وقعت.. من حقها أن تستقر تحت.
شالوا.. الشال
غافلني قرد وفي لحظة اختطف الشال من علي كتفي.. لم أعذره ولا حاسبته ولا شعرت بتسلل برد ولا ساورني عار من رقبتي العارية.. فللحرة وثار ولو خلعوه عنوة.. وللقرود شريعة غابة.. وعلينا أن نبدأ معهم في أول درس.. في علم.. الإنسان.
سعادة
حين تحكي مآسي العمر وتضحك منها وكأنها طرفة فأنت سعيد ووسط من تسعد بهم.