أحمد عمر
أصل الكلام .. إهانة الصحافة.. أزمة دولة
مستقبل مختلف يتشكل في المحاكمة "العاجلة" لنقيب الصحفيين.. والسكرتير العام ورئيس لجنة الحريات دفعة واحدة.. وبغض النظر عن المحاكمة والاتهامات.. وتمثيل هؤلاء الثلاثة لجموع الصحفيين بنسبة تصل إلي 80% في انتخابات حرة نزيهة لا تشوبها شائبة.. فإنه لم يعد خافياً حالة التربص بنقابة السلطة الرابعة وأصحاب الرأي.. علي نحو يعكس في الحقيقة أزمة دولة.. قبل أن تكون أزمة لدي الصحفيين.
إذا فتشنا في الأسباب سنجد أنها تقوم علي خلط واضح في أذهان قيادات لها شأنها في الدولة بين الصحافة والفيس بوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وانستجرام واليوتيوب.. حالة عجيبة من الالتباس تكشفها مواقفهم وتصريحاتهم العلنية في أكثر من مناسبة.. عدم تمييز مما يعبر عنه الشارع بمقولة "كله عند العرب صابون" وتجاهل لخطوط فاصلة أبرزها المؤسسية والمهنية والقانون الذي يحكم الصحف ويغيب عن تلك الوسائل الحديثة للتواصل التي تحولت إلي ما يسمي "الإعلام البديل".. والحقيقة ان هذا الوصف كذبة كبري.. وخطأ شائع فهي ليست إعلاماً وان صدقت أحياناً.. مهما بلغ انتشارها وتأثيرها إنما مجرد وسيلة حديثة لتداول الشائعات البيضاء والسوداء المؤكد علمياً أنها تنشط في أجواء التعتيم الإعلامي وتضمحل مع حرية الصحافة والثقة في منظومة الإعلام وتداول المعلومات.. وتظل تلك الوسائط الإلكترونية فاقدة لوصف الإعلام طالما بقيت مجهولة المصدر والهدف.. غير ملتزمة بمهنية الأداء الإعلامي.. بعيدة عن المراجعة والحساب.
هناك سبب آخر لتلك الحالة من التربص بالصحافة.. هو تصدر شخصيات غير مهنية لا هم صحفيون ولا إعلاميون لبرامج التوك شو السياسي التي أصبحت تتصدر المشهد الإعلامي.. الذي انتقل من الملعب ومدرجات الهتيفة مباشرة إلي الشاشة دون دراسة للإعلام ولا التزام بمعاييره المهنية.. علي أن صدارة هؤلاء لا يمكن ان تكون وليدة إرادة منفردة له أو لغيره ان يقرر الظهور فتتفتح أمامه الشاشات بل من الضروري ان تساندها إرادة من صاحب القناة.. ومن مسئولين في الدولة يغضون الطرف عن تطبيق قانون يبدو أحياناً كأنه "يويو" أو أعجوبة سحرية قادرة علي الالتفاف والمناورة.. كان صفوت الشريف وزير الإعلام في عهد مبارك يغدق بتصاريح الطباعة علي صحف بير السلم التي تتغذي علي الفضائح والأكاذيب بدعوي إيمانه بحرية الإعلام.. بينما الواقع أنها تعمل علي تلويث المناخ الصحفي فإذا ضجر الناس بالصحافة الصفراء أغلقوا صحف المعارضة.. التاريخ يعيد نفسه.
نتيجة لهذه الأجواء المعادية السائدة وجد البعض مصداقية في اتخاذ الإعلام شماعة للتجاوزات والأخطاء.. وفي التضييق أكثر علي الصحفيين من خلال خنق قنوات المعلومات والسكوت عن تدني مرتبات صارت الأقل بين كثير من الفئات رغم ما يروج له من صورة مغايرة.. وكلما ضعفت الصحافة قويت في المقابل وسائل ترويج الشائعات واتسعت الهوة وتعمقت الأزمة.
** العلاج يبدأ من دعم الصحافة وليس إهانتها.. انها مؤسسات مجتمع ينبغي مساندتها للقيام بدورها.. فلا يسطو عليه آخرون لا يراعون فينا حرمة ولا وطن.