المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. مثقفون.. لكن ظرفاء!
المثقفون الرسميون في مصر ظرفاء جدا.. وأظرف ما فيهم وزيرهم الحالي.. ووزيرهم السابق.. ثم وزيرهم الأسبق فالأسبق فالأسبق.. حتي تقف عند عتبة الدكتور أحمد هيكل رحمه الله.. الذي كان آخر وزراء الثقافة العظام.. وحين وافاه الأجل وأعلن عن اسم خلفه "الوزير الفنان" قال العالم العلامة الدكتور مصطفي الشكعة صاحب موسوعة "إسلام بلا مذاهب": "عظم الله أجركم في الثقافة المصرية".. ثم قال كلاما كثيرا يضعه - الله يرحمه - ويضعنا من بعده تحت طائلة القانون لوجازفنا بنشرة.
المهم أن هؤلاء المثقفين الرسميين الظرفاء عقدوا مؤتمرا في مجلسهم الأعلي للثقافة من أجل تطوير الخطاب الثقافي.. أنفق عليه بسخاء من ميزانية الدولة المديونة المنهكة والشعب المطحون.. واستضاف المؤتمر الذي اطلقوا عليه من باب الوجاهة و"الفشخرة" اسم الملتقي الدولي لتجديد الخطاب الثقافي العديد من الأصدقاء والأشقاء الذين بالتأكيد سيردون التحية بأحسن منها.. وسيستضيفون مثقفينا في مؤتمراتهم.. وما أكثرها ذهابا وإيابا.
لكن الغريب ان مثقفينا وضيوفهم الكرام نسوا علي ما يبدو عنوان مؤتمرهم.. وبدلا من مناقشة تطوير الخطاب الثقافي انزلقوا بقدرة قادر إلي تطوير الخطاب الديني الذي جعلوه قضيتهم.. واستسهلوا الأحاديث التي يجيدونها علي مدي 24 ساعة كل يوم.. وجعلوا من المؤتمر المصروف عليه من دم قلبنا وقوتنا منبرا للدعوة إلي العلمانية والهجوم علي مؤسسة الأزهر واتهام المناهج الأزهرية بالجمود وبأنها تقود إلي التطرف والإرهاب الديني.. حتي وصلوا في مؤتمرهم إلي الحقيقة التي كانت غائبة والتي استدعت أن يحتشدوا لها.. ألا وهي "لا مجال للنهضة إلا بفصل الدين عن الدولة.. وجعله في المساجد فقط.. مثلما فعل الأوروبيون عندما جعلوا الدين في الكنائس فقط.
ولأننا نسمع منهم هذا الكلام ليل نهار فإننا نتساءل: هل كان الأمر يحتاج إلي عقد منتدي دولي لتكرروا علي الأسماع اسطواناتكم المشروخة؟
ثم.. ماذا عن تطوير الخطاب الثقافي؟
لا شيء.. لم يشعر أحد بأنهم قدموا رؤية جادة وفعالة لتطوير الخطاب الثقافي المثقل بأوزارهم وخطاياهم وفشلهم.. في الحقيقة هم مثل إخوانهم دعاة تطوير الخطاب الديني الذين فشلوا في أن يطوروا خطابهم تلبية لاحتياجات الواقع.. وكانت جريمة قرية "الكرم" في المنيا أحد أهم تجليات ذلك الفشل المزدوج.
وقد كان بإمكان المثقفين الظرفاء لو ركزوا في دورهم ورسالتهم أن يكتشفوا سلبيات الخطاب الثقافي السائد منذ سنوات في مصر.. الذي انتهي بنا إلي استشراء الجهل والأمية وتفشي الرشوة والمحسوبية وتغييب الوعي بالقانون والدستور وبقواعد الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي حلمنا بها في ثورة 25 يناير.. وتصورنا اننا صرنا قاب قوسين أو أدني من تحقيقها.
ولعل من أهم السلبيات التي مازالت عالقة بالخطاب الثقافي وكان ينبغي مواجهة النفس بها والتفكير في علاجها ما يلي:
* انه خطاب نخبوي انطوائي استعلائي علي الواقع.. ولا يستطيع التفاعل معه.
* انه خطاب مصنوع ومعلب في أرض غير أرضنا.. وبيئة غير بيئتنا.. ولا ينتمي في معظمه إلي البنيان الثقافي والفكري والمعرفي لثقافتنا الأصيلة.
* انه خطاب مراوغ.. يخلط بين مفهوم الحداثة والتطوير وبين العبث في هوية الأمة.. فهو لا يسعي إلي تغييرها إلي الأفضل.. وإنما يريد تقويض دعائمها وخصوصيتها ليحولها إلي نسخة من آخرين.
* انه خطاب أحادي اقصائي.. يقوم علي الشليلة وتوزيع الأدوار بين مجموعة منتقاه من أهل الثقة.
* انه خطاب يقوم علي البراجماتيه والمنفعة لاصحابه.. ولا يعتمد علي مفهوم الرسالة.. ولذلك لا يحظي باحترام واهتمام مجتمعي.. ويهتم بالديكور والمظهر أهم من المضمون والجوهر.
* انه خطاب سلطوي تبريري يزيف الواقع ويلونه حسبما يريد.. ولا يؤمن بمبادئ الحداثة التي يلوكها كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وقبول الآخر ولذلك فقد مصداقيته.
وهنا تجدر الاشارة إلي اعتراف مهم ورد في كلمة د. أمل الصبان أمين عام المجلس الأعلي للثقافة في افتتاح مؤتمرهم قالت فيه: "لابد أن نعترف أن المثقف يعاني من العزلة عن بقية فئات المجتمع.. وتقع عبء معالجتها علي المثقف نفسه.. فالمثقفون السابقون العظام كانوا قادرين علي التواصل مع مجتمعاتهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف