المساء
مؤمن الهباء
شهادة افتعال معركة مع الدين!!


نحن في حاجة ماسة إلي تجديد وتطوير الخطاب الديني لكي يواكب العصر ويتحدث لغته ويعالج مشاكله ويتفاعل مع واقعه.. هذه حقيقة.. ونحن في حاجة ماسة إلي تنقية التراث لتخليصه من الخزعبلات والأساطير والإسرائيليات التي علقت به وأثقلت كاهله.. وهذه أيضا حقيقة.. لكننا أبدا لسنا في حاجة إلي افتعال معركة مع الدين تأخذنا إلي مناطق شائكة يقع فيها الصدام مع الثوابت الدينية.. وتضيع فيها الخطوط الفاصلة بين الحرب علي الإرهاب والحرب علي الدين ورموزه وثوابته.
والسؤال الذي يطرح نفسه دائما في هذه القضية : من هو المؤهل القادر علي القيام بمهمة تجديد وتطوير الخطاب الديني وتنقية التراث؟! وهل هذه المهمة تتطلب درجة من الاختصاص والتخصص العلمي أم أنها مطروحة علي المشاع.. يحق لكل من هب ودب أن يدلي فيها بدلوه؟!
لدينا الآن فريق من الإعلاميين ينكرون قضية التخصص عندما يتعلق الأمر بالحديث عن التجديد الديني.. ويتمتعون بجرأة تجاوزت كل الحدود.. جعلتهم ينصبون أنفسهم خبراء في الاستراتيجيات السياسية وخبراء في الدين وخبراء في النقد الأدبي والفني وبالتالي صاروا يفتون بما لا يعلمون وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.
ومن هؤلاء من بلغ به الشطط وهو يتحدث عن تجديد الدين إلي ممارسة أسوأ أنواع العبث الفكري وتفسير نصوص الدين علي هواه.. ضارباً عرض الحائط بما استقرت عليه علوم الدين من قواعد وثوابت وأدوات لايمكن لأحد أن يتحدث عن التجديد والتطوير إلا إذا كان ملماً بها متمكناً منها.
وبدلا من أن يتواضعوا ليكونوا عوناً ودعاة للتجديد علي قدر علمهم تحولوا بجرأتهم الزائدة مع قلة بضاعتهم إلي عبء ثقيل علي مسار التجديد بعد أن تورطوا في الإساءة للصحابة والطعن في كتب الحديث الصحاح والتهكم علي التاريخ الإسلامي والإصرار علي تشويهه بشكل غير مسبوق لم يصل إليه أشد المستشرقين عداء للإسلام واختزلوا التاريخ الإسلامي في بعض سقطات وتجاوزات لايخلو منها تاريخ أية أمة.. وأهالوا التراب علي الوجه الناصع للحضارة الإسلامية والعربية التي أضافت للإنسانية الكثير من الإسهامات قبل أن تتقهقر ويصيبها التخلف.
لم ينظر هؤلاء بموضوعية إلي شخصيات تاريخية أسهمت في بناء الحضارة.. وعلماء عظام أناروا عقول البشرية عندما كانت شعوب أخري تتخبط في الجهالة والخرافة وقادة شجعان سجلوا بطولات في تاريخ البشرية ورفعوا لواء العدالة وسط دياجير الظلم.. لم ينظر دعاة التجديد المغشوش إلي هؤلاء ولم ينصفوهم.. وإنما تعمدوا إعادة تقديمهم للناس في صور مشبوهة بعيدة كل البعد عن الحقيقة.. جعلوا المجاهد إرهابياً والعالم كاذباً مدلساً.. وركبوا موجة الحرب علي الإرهاب ليعيدوا تشكيل التركيبة الذهنية للمسلمين والعرب حول حضارتهم.. وتصويرها علي أنها كانت وبالاً علي البشرية.
وقد كان طبيعياً أن يسبق حملة التزوير والتشويه هذه حملة ضارية للنيل من الأزهر الشريف بهدف ابتزازه وإضعافه وضمان إخضاعه لئلا يغضب ويرتفع صوته ضد هذا العبث المقصود.. كل من يريد أن يبيع بضاعة فاسدة مغشوشة يغلفها بشعار الحرب علي الإرهاب.. وكأننا يجب أن ننبذ الدين ونهدم ثوابتنا ونتنكر لتاريخنا حتي نثبت أننا ضد الإرهاب.
نحن بلاشك مع كل اجتهاد وتجديد ديني حقيقي يقوم علي أسس سليمة وينتجه المتخصصون ويقره العلماء الثقات وليس النخبة الغوغائية التي تدعي التنوير وتخلط بين ما هو حزبي وما هو ديني.
إن كان هؤلاء يظنون أن ما يقومون به من عبث يحارب التطرف والإرهاب فهم واهمون لأن تجاوزاتهم تعطي الفرصة للمتطرفين والإرهابيين للمزايدة والإدعاء بأنهم حماة الدين في مواجهة النخبة التي تحارب الدين.. والدين براء من عبث هؤلاء وهؤلاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف