من الذين أنعم الله عليهم بالثبات علي الحق والوقوف في وجه دعاة الباطل وظل صامدا صابرا رغم ما تعرض من اعتداء ظالم انه "أبومسلم الخولاني العابد" وتلك هي شهرته التي كان ينادي بها أما اسمه فهو عبد الله بن ثوب ونشأ في اليمن رغم أنه يعد من أهل الشام نظرا لاقامته بينهم.. هذا الرجل ادرك الجاهلية وعندما وصلته دعوة سيد الخلق محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم أقبل علي الإسلام بصدق وعزيمة لا تعرف اليأس وكان ذلك وفاة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وقد شاءت ظروفه ان يصل المدينة المنورة حين قبض الرسول صلي الله عليه وسلم وتم اختيار أبوبكر الصديق رضي الله عنه خليفة للرسول صلي الله عليه وسلم.
هذا الرجل ابومسلم الخولاني كان ناسكا عابدا ذا فضائل ذا كرامات ويعد من كبار التابعين وكان محل ثقة كل المتعاملين معه.. وظل علي ثباته ملتزما بأداء بالعبادات من صلاة وصدقات وصالح الأعمال ولم يدر بخلده أنه سيتعرض يوما للافتتان في دينه لكن شاءت ارادة الله ان يخوض هذا الامتحان القاسي جدا وتمثل ذلك الامتحان في أن الاسود بن قيس بن ذي الخمار كان قد تنبأ باليمن وتصادف أن بعث إلي أبي مسلم فعندما وصل إلي مجلس "الاسود" فاجأه بسؤال قائلاً: اتشهد أني رسول الله؟ قال: ما اسمع. قال: اتشهد ان محمدا رسول الله؟ قال: نعم. ثم أخذ يردد عليه السؤال في اصرار علي أن ينطق بالشهادة له بأنه رسول الله لكنه استمر علي رفضه في غير خوف من هذا الطاغية واتباعه الذين انتشروا من حوله الذين استجابوا لزعمه بأنه الرسول وامام هذا العناد من أبي مسلم اشعل الطاغية نارا وأمر اتباعه بالقائه في وسط هذه النيران ولهيبها لكن شاءت ارادة الله ان النار لم تسبب له أية اضرار مما اصاب الطاغية واتباعه بالدهشة والذهول واخذوا يتساءلون كيف لم يحترق هذا الرجل لكن أبومسلم ظل ثابتا بعد ان اكرمه الله بالنجاة من تلك النار الهائلة التي القوه بها وبلا تردد تقدم للطاغية مجموعة من اتباعه وقالوا: اطلب من هذا الرجل ان يرحل فورا من هذه الديار وذلك حتي لا ينصرف اتباعك عنك إذا عرفوا هذه الحقيقة وتلك الكرامة التي ظهرت من هذا الرجل فاستجاب الطاغية علي الفور وطلب من أبي مسلم ان يرحل عن هذه الديار فاستجاب فورا واعد راحلته واتجه إلي المدينة المنورة وعند الوصول إلي هناك ترك راحلته عند باب المسجد واخذ يصلي في أحد الاماكن وهنا لمحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتوجه نحوه وسأله: من أي مكان الرجل؟ فقال: من أهل اليمن. فقال عمر: ماذا فعل الرجل الذي احرقه الكذاب بالنار؟ فقال: ذاك عبد الله بن ثوب. فقال عمر: انشدك الله الست انت هذا الرجل؟ قال: نعم أنا هو فاعتنقه عمرو واخذ يبكي بصوت مسموع.
بعد ان تعرف أبوحفص عمر من وأبي مسلم هذه الحقيقة اصطحب ابا مسلم وتوجه الاثنان إلي أبي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم اجلس أبا مسلم بينه وبين أبي بكر. ثم أخذ عمر يقول: "الحمد لله الذي لم يميتني حتي اراني في أمة محمد من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله صلي الله عليه وسلم" حقا لقد ظهرت قوة ايمان أبي مسلم في الثبات ومواجهة الكذاب مدعي النبوة ولذلك انجاه من النار. وصارت كرامة الرجل مضرب الامثال وصدق القائل:
واثبتن للاوليا الكرامة
ومن نفاها انبذن كلامه