كل موسم ثانوية.. تقوم الدنيا ولا تقعد.. تنتفض لفشل الوزارة في مواجهة ظاهرة تسريب الامتحانات.. تهب لتخلف الآلية والمنظومة.. تشتعل لاخفاق طرق المعالجة والمواجهة.. وبعد طول صراخ وعويل.. لا تجد الاقلام والأفواه سوي ¢الوزير¢.. لتوجه إليه سهام التقاعس والاهمال.. تساندها آراء الخبراء والمتخصصين.. الذين يشبعون القائمين علي التعليم تقريظا وجلدا.. ثم في النهاية يقترحون حلا وحيدا قاصرا.. لا جدوي منه ولا طائل.. ¢إقالة سيادة الوزير¢.
بلا شك.. الوزير يتحمل البعض وليس كل الوزر.. وبالتأكيد هناك أخطاء عجزت الوزارة عن معالجتها.. لكنها ليست ¢الجاني¢ الوحيد.. خاصة وأن القضية مزمنة ومعقدة.. لا يمكن اختزالها في اشخاص يتولون المنصب تباعا.. وإنما لابد من ارجاعها إلي أسبابها الحقيقية.. وتداعياتها الخطيرة.. والاعتراف ضمنيا بأنها ¢صناعة مجتمع¢.
لقد استشري ¢الغش¢.. حينما أهملت كل من الوزارة والمدرسة والأسرة التربية الصالحة. والتأسيس القويم. والنشأة السليمة.. وعندما اهتم المجتمع بلا استثناء.. بالحفظ والتلقين.. واغفلوا الفهم والاستيعاب.. وعندما انصرفوا عن بث القيم والمبادئ في نفوس الصغار.. وتكالبوا علي تعليمهم ¢الحداقة والفهلوة¢.. وعندما ركزوا علي توفير أدوات العصر.. دون الانتباه لضرورة تطوير الفكر وتحصين الادراك.. وحينما أقروا مناهج العلوم والرياضيات العقيمة.. في الوقت الذي قرروا فيه أن التربية الدينية مادة خارج المجموع..!
ما يضاعف الأحزان.. ان العدوي انتقلت وصارت أسلوب حياة داخل الكثير من المجالات والأنشطة.. فهناك عامل يتقاعس ويتخاذل في صنعته.. وفلاح يهمل زرعته.. وموظف يعطل المراكب السايرة.. وتاجر يتلاعب بأقوات الغلابة.. وسائق ينهش في لحم الركاب.. وداعية يتشدد في خطابه.. ونائب يبيع الوهم لأهل دائرته.. وزوج يخدع شريكة حياته..!
زادت الذمم الخربة. وتضاعفت الضمائر الفاسدة.. في كافة أنحاء المجتمع المصري.. لأن الكثيرين يتحدثون عن القيم ولا يطبقونها.. يحفظون المبادئ ويتجاهلونها.. يعرفون القوانين واللوائح ويخترقونها ويتفوقون في اللعب علي ثغراتها.. وبما أن كلاً منهم آمن العقوبة.. فتمادي في إساءة الأدب وتوغل في غيه وضلاله.. والنتيجة ان أصبح ¢العيب¢ شطارة.. والنقيصة مهارة.. بينما بات الاحترام والالتزام ضعفاً وخيبة وتزمتاً..!
كن محاسبة الوزير.. صلحوا الأوضاع. وسدوا الثغرات. وحاربوا منظومة الفساد. وتصدوا للمتاجرين بالقيم والمتشدقين بالأخلاق والأعراف.. وتخلصوا من الأيادي المرتعشة والبارعين في الالتفاف والإعوجاج..!
لم يعد كافيا وضع منظومة تعليمية حديثة وشاملة تقضي علي الغش والتسريب.. بدلا من اتخاذ خطوات عاجلة لا تقل أهمية.. في مقدمتها.. تربية النفس علي الصفاء. والقلب علي الفقهاء.. وإرشاد النشء إلي طرق التصالح مع الله.. ثم مع النفس فالآخرين.. ويجب مواجهة النفوس المريضة ومحاربة الثقافات الهدامة.. والتصدي للأنا والنرجسية.. وتطبيق القوانين العادلة بحسم وصرامة.. وليوقن أولي الأمر.. أنه بدون تلك الاجراءات والخطوات.. سوف تتفاقم المشكلة.. ولن يجدي معها أي مسكنات.. بل سيتحول ¢الغش¢ إلي شعار لمعظم مجالات وأنشطة الحياة في مصر..!!