بسيونى الحلوانى
أرجوكم.. لا تعطوا الفرصة للغوغائيين
سألني أحد الأصدقاء: هل أنت راض عن عزل ابنة هشام جنينة من وظيفتها انتقاما من والدها الذي يحاكم الآن بتهمة نشر شائعات كاذبة تضر بأمن البلاد وسمعتها؟
قلت له: مصر - الدولة والكيان والتاريخ والحضارة - أكبر من الانتقام من شخص حتي ولو كان هشام جنينة الذي احتفظ بوظيفته الكبيرة والخطيرة لسنوات بعد أن عزل الشعب الجماعة التي اختارته لهذه الوظيفة. ورغم ما يتردد عن تعاطفه معها وسعيه لخدمة أهدافها.. وجنينة أخطأ مرتين في ملف تصريحاته المستفزة عن حجم الفساد في مصر: مرة عندما أدلي بتصريحات غير دقيقة عن حجم الفساد وهو من يمتلك الحقيقة.. ومرة عندما عاند وكابر وأصر علي الخطأ وكان بإمكانه أن يصحح ويصوب ويوضح تصريحاته.. ويسكت الجميع ولكنه لم يفعل. والذين يحاكمون جنينة علي تصريحاته الكاذبة هم زملاؤه وسيعلنون للجميع ما إذا كانت تجاوزاته تستحق العقاب أم لا؟
أما ابنة جنينة فالأمر يحتاج الي توضيح عاجل من النيابة الإدارية للرأي العام لأنها صاحبة قرار عزلها وحتي لا تختلط الأوراق يجب علي جهة عملها أن تعلن حجم الجرم الذي ارتكبته وأدي الي عزلها لأن الغوغائيين - وما أكثرهم في الداخل والخارج- يستخدمون هذا الأمر لتشويه صورة الدولة المصرية التي تحاول أن تكون ¢جادة وحازمة وعادلة وتلتزم بالدستور وتحترم القانون¢ في مواجهة كل صور الانفلات والتجاوزات.
لقد تركت الدولة كثيرا من العناصر الإخوانية متغلغلة في كل مؤسسات الدولة وتمارس أعمالها وتحتفظ بوظائفها ومكاسبها. ولم تفكر في عزلها بسبب توجهاتها السياسية وعدائها المعلن لاستقرار الدولة.. فلماذا تحاسب الدولة ابنة هشام جنينة وحدها؟
في سلك القضاء سوابق مشرفة تؤكد العدل والموضوعية. فقد تورط بعض عناصر القضاء في جرائم مخلة بالشرف. وحوكموا عليها كما حدث في قضية محافظ الجيزة الأسبق ودخل السجن لتنفيذ العقوبة. ولم يتم عزل إبنه من وظيفته بل ظل يمارس عمله القضائي بحرية وفق ما يفرض عليه القانون ورفع القضاء المصري العادل الشعار القرآني ¢ كل نفس بما كسبت رهينة¢.. فالقضاء المصري الشامخ لا يعاقب ابنا بجرم والده.
من هنا يجب إعلان حيثيات كل قرار أو موقف للشعب حتي نفسد مخططات الجماعة التي تستغل مثل هذه المواقف وتحاول تشويه صورة مصر التي تحاول جاهدة استعادة كيان الدولة القوية المتماسكة التي لا سيادة فيها إلا للقانون.
*****
لا ينكر أحد أن الانجازات التي تحققت علي أرض مصر خلال العامين الماضيين كانت كبيرة رغم التحديات الخطيرة التي واجهت الدولة المصرية أمنيا واقتصاديا. والانجازات كانت تنموية وعسكرية ولا يتسع المقام هنا للحديث عن تفاصيلها.. كما لا ينكر أحد أن هناك حالة استقرار يشعر بها المصريون مقارنة بحالة الفوضي التي تعيشها كثير من البلاد العربية المحيطة. وهذا ما يبعث الأمل في نفوس المصريين ويضاعف من تطلعهم الي حالة استقرار شاملة أمنيا واقتصاديا واجتماعيا يصاحبها تحول أحلام المصريين ومطالبهم المشروعة بالعدالة الاجتماعية الي واقع حقيقي علي الأرض.
لذلك.. فإن الانجاز الاقتصادي أو الأمني لن يشعر به أحد إذا ما غابت العدالة واختفت الحكمة عن مواقف وسياسات تدفع بعض المصريين الي القلق علي حرياتهم أو الشعور بأنها أصبحت في خطر. فالنقلة الحضارية التي تريدها مصر لن تتحقق علي أرض الواقع إلا باحترام حقوق الإنسان وقيام كل سلطة في البلد بمهامها دون تجاوزات. ودون إهدار لصلاحيات غيرها من السلطات. فمصر الجديدة التي نحلم بها تحتاج الي مشاعر وعواطف وكفاح وعرق وحب ووطنية كل المصريين.
*****
كما تحتاج مصر ¢الجديدة¢ الي مشروعات عملاقة تقضي علي البطالة وتحقق للمصريين حالة الاستقرار الاقتصادي التي يتطلع إليها الجميع. تحتاج الي العدل. والي تفعيل الأمر الإلهي¢ ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوي¢. ذلك أن أمن الوطن واستقراره لن يتحققا إلا بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه القانوني والدستوري.
ولن تتحقق العدالة علي الأرض إلا اذا قام المكلفون بتطبيقها بواجبهم علي الوجه الأكمل ودون إبطاء. وتخلوا عن هوي النفس. وجردوا أنفسهم من كل ما يعيق العدالة. وأدركوا ان الله سبحانه وتعالي يوجب العدل في التعامل بين الناس ¢إن الله لا يظلم مثقال ذرة¢ وأنه عز سلطانه يحب المقسطين ويطالب الجميع الالتزام بالحق والعدل حتي ولو نالهم بعض الأذي من الذين يحكمون عليهم.
ينبغي أن يكون استقرار مصر وتهدئة نفوس المصريين الغاضبين والثائرين فيها بسبب ما يعانون من ظلم هو هدف الدولة المصرية.. ذلك أن ¢صناعة الاحتقان¢ التي يجيدها البعض لن تحقق للدولة أية مكاسب. وستضاعف من التوتر والقلق والاضطرابات التي يخطط أعداء النظام إلي إشاعتها بين المصريين لضرب استقرار الدولة من الداخل وتفتيت وحدة المصريين الذين يقفون خلف الدولة في كل خططها ومشروعاتها لتحقيق الاستقرار.
الصفحة السابقة