مصعب بن عمير من الرجال الذين يطول الحديث عن تاريخهم المليء بالمواقف والبطولات النادرة انه من الرجال الذين التفوا حول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ منذ أن انبثق النور في أم القري. تناسي مصعب بن عمير أيام العز والهناءة وانخرط في العلم الجاد صابراً محتسباً متحملاً كل ألوان الإيذاء من قريش والمشركين من أهل مكة فها هو الإمام علي بن أبي طالب يضع بين أيدينا حديثاً يوضح مدي المعاناة التي تحملها مصعب ابن عمير في سبيل دعوة الحق يقول الإمام علي رضي الله عنه كنا جلوس مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير وما عليه من الملابس إلا بردة مرفوعة بغرو. فلما رآه رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بكي للذي كان فيه من النعم والذي هو فيه اليوم. ثم قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخري. وسترتم بيوتكم كما تستتر الكعبة؟ قالوا يا رسول الله: نحن يومئذ خير منا اليوم. نتفرغ للعبادة ونكفي معاشنا بأسباب مهيأة لنا. بمعني أنهم مع أداء العبادة علي الوجه الأكمل يسعون في الأرض لكسب الرزق حلالاً.
وعن تاريخ هؤلاء السابقين في الإسلام يقول أبو وائل عن خباب قال: "هاجرنا مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ نبتغي وجه الله ـ عز وجل ـ. فوقع أجرنا علي الله. فمنا من بات لم يأكل من أجره شيئاً بمعني أن الغنائم التي حصلوا عليها في جهادهم كانت إحدي ثمرات هذا الأجر وليس الأمر مقصوراً علي أجر الآخرة. ثم يضيف خباب ومنا من أينعت له ثمرة فهو يهديها وأن مصعب بن عمير مات ولم يترك إلا ثوباً كان إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه. وإذا غطوا رجليه خرج رأسه فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: غطوا رأسه وضعوا علي رجليه الأذخر وهو نوع من الحشيش الأخضر طيب الرائحة. أرأيتم رجلاً في نعم ثم ترك الدنيا بهذه الصورة بلا شك ينطبق في حقه وأمثاله قول الله تعالي: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
تلك هي كانت نهاية رجل أبلي في سبيل الله بلاء حسناً تاريخه حافل بالكثير من المواقف فقد كان مصعب ابن عمير من المجاهدين في سبيل الله شهد مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ غزوة بدر كما شهد غزوة أحد وكان معه لواء رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقد شاءت إرادة الله أن ينال مصعب الشهادة في سبيل الله بعد أن وجه إليه ابن قمنه وقد كان عمر مصعب يوم استشهاده أربعين سنة أو أكثر قليلاً. ويقال إنه نزل فيه وفي أصحابه من المؤمنين قول الله تعالي: "من المؤمنين رجالى صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً" الأحزاب: 23. ومما ينقل عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حين شاهد مصعب بن عمير شهيداً يوم أحد: أنه علي وقف ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي جثمان مصعب وهو مصروع علي وجهه يوم أحد شهيداً وكان صاحب لواء رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فتلا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قول الله تعالي: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" وبعد أن انتهي الرسول من تلاوة الآية الكريمة قال: "إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة. ثم أقبل علي الناس وقال: أيها الناس ائتوهم فزوروهم. وسلموا عليهم. فوالذي نفسي بيده. لا يسلم عليهم أحد إلي يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام" هذه الشهادة من سيد الخلق تؤكد مدي صدق هؤلاء الرجال في الأداء والعمل الجاد وتفانيهم في كل المجالات ابتغاء وجه الله.
بعد هذه الرحلة مضي إلي سبيل ربه شهيداً ولم يترك سوي ابنته زينب. انها رحلة في سبيل الله وسوف تظل علي مدي التاريخ نموذجاً وقدوة طيبة تؤكد وجه الإسلام المشرق ونوره الذي يهدي القلوب. ولعل هذه البطولات وتلك المعاملة الطيبة من هؤلاء الرجال تزيل عن الإسلام التشويه الذي أحدثه من ينتسبوا للإسلام والإسلام منهم براء وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.