الثبات والصبر والصدق حين تمتلك قلب المؤمن فإن الله ـ عز وجل ـ يفتح له أبواب رحمته وينجيه من هم أو ضيق يعترض طريقه ويأخذ بيده نحو الصواب وبالتالي تنفرج الكروب وينزاح الهم ويتواري الضيق.. تلك الفضائل غرسها سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ في نفوس أصحابه وكل من هداه الله إلي الدين الحنيف والانصياع لقيمه وأنوار حكمته فها هو مالك بن عوف الأشجعي توجه إلي مجلس رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ والهموم قد امتلكت وجدانه وصيرت حياته كئيبة حزينة وفي أسي وضيق قال: يا رسول الله: إن ابني عوف قد أسره الأعداء؟ ولا أدري كيف أتصرف يا رسول الله وبكل ثبات وإنسانية وأخلاق كريمة وتقدير للوعة الأب الحزينة قال سيد الخلق ـ صلي الله عليه وسلم ـ: أرسل إليه وقل له إن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله "انطلق مالك بن عوف من مجلس رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ والآمال تحدوه في أن يري ابنه مرة أخري وعلي الفور بعث رسولاً إلي ابنه عوف وطلب منه أن يبلغه هذه الكلمات البليغة "لا حول ولا قوة إلا بالله" وأن يكثر من ترديدها بلا تكاسل أو يأس. وبالفعل اتجه الرجل الذي أرسله مالك لابنه حيث تمكن من الوصول إليه وأبلغه هذه الرسالة وقال له: استمر في ترديد هذه الكلمات ولا يعتريك اليأس. أو الضيق بأي حال من الأحوال. فالصادق المصدوق ـ صلي الله عليه وسلم ـ هو الذي أوصي بذلك.
بكل نفس راضية وبقناعة تامة استجاب عوف وأخذ يردد "لا حول ولا قوة إلا بالله" وظل لسانه رطباً بهذه الكلمات الطيبة رغم أن الأعداء قد أحكموا قيده حتي لا يستطيع الهروب وأمام ترديد عوف لقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" إذا بالقيد قد سقط عنه وهنا انفرجت أساريره وأخذ يتطلع حوله لعله يجد منفذاً يخرج منه وبهداية من الله وتوفيق وقع بصر عوف علي ناقة حرة طليقة وسط الماشية التي يمتلكها هؤلاء الذين قاموا بأسره. لم يتردد عوف لحظة وقام بركوب الناقة ولكي يزيح قطعان المواشي الكثيرة من طريقه أخذ يصيح فيها بصوت شديد مما ساهم في فتح الطريق أمامه فانطلق بسرعة متجهاً إلي منزل أسرته مؤملاً في أن يصل إلي هناك في أمن وأمان ودون أي عوائق كما أن تأثير تلك الكلمات الطيبة لاتزال في ذاكرته ووجدانه.
استمر عوف في مسيرته حتي وصل إلي مقر الأسرة وبعد أن نزل من فوق الناقة أخذ يطرق الباب بشدة؟ وبمجرد أن سمع الأب المكلوم هذه الطرقات قال هذا عوف ابني ورب الكعبة. وكانت مفاجأة سارة فقد استراح قلب الأب واطمأنت الأسرة وهكذا كان نور الإيمان والثبات علي الحق من أهم أسباب هذا الفرج وهنا نزل قول الحق تبارك وتعالي: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً" ولا شك أن أهل الإيمان دائماً في كنف الله وتحت رعايته صدقوا الله ورسوله فصدقهم الله وجاء الفرج من أوسع الأبواب "إن ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد".