سوف يظل مقداد بن عمرو الشهير بابن الاسود نموذجا للمسلم القوي الذي لا يخشي في الحق لومة لائم كما انه سوف يظل موقفه قدوة لكل من يتطلع للجهاد في سبيل الدفاع عن الحق والدفاع عن النفس وقد كان هذا الموقف حافزاً لأصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لخوض غزوة بدر رغم قلة عدد المسلمين بالنسبة لعدد المشركين الذين جاءوا لقتال المسلمين والضرب علي أيديهم حتي لا يتعرضوا مرة أخري لقوافل تجارة المشركين القادمة من أرض الشام. كما يظل موقف المقداد مشجعاً لكل المسلمين المدافعين عن حقوقهم وأنفسهم دون نظر لقلة العدد أو الإمكانيات. تلك هي عزيمة ونوايا أهل الإيمان دائماً يضعون مواقف السابقين الذين سجل القرآن الكريم مواقفهم حين قال البعض لا طاقة بقتال هؤلاء الأقوياء "قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" وقد كان المقداد من هذا الصنف قوي الإيمان والعقيدة الراسخة.
المقداد ابن الاسود مناقبه كثيرة لثباته وجرأته في مختلف المواقف ويكفيه فخراً ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ان الله عز وجل أمرني بحب أربعة وأخبرني انه يحبهم. قيل يا رسول الله سمهم لنا. قال: "علي منهم يقول ذلك ثلاثا وأبو ذر والمقداد وسليمان" رواه بن بريدة عن أبيه وأخرجه ابن ماجة والحاكم. كما روي عن الإمام علي بن أبي طالب عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: "لم يكن نبي إلا أعطي سبعة نجباء وزراء ورفقاء واني أعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين وابن مسعود وسلمان وعمار وحذيفة وأبو ذر والمقداد وبلال" وقد شهد المقداد فتح مصر وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم كما روي عنه من الصحابة علي ابن عباس وطارق بن شهاب وغيره كما روي عنه من التابعين عبدالرحمن بن أبي ليلي وميمون بن أبي شبيب وجبير بن نفير وغيرهم وذلك لثقتهم في المقداد وانه صادق الحديث خاصة فيما يرويه عن النبي صلي الله علين وسلم وهذه ثمار جهود رسول الله صلي الله عليه وسلم في تربية الرجال من الصحابة في مدرسة النبوة الأولي.
حقيقة لقد ترك المقداد سجلا حافلا بالأمجاد والبطولات ولم يبخل بأي جهد في سبيل رفعة دعوة الحق ونشرها في ضوء تعليمات سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وقد كان المقداد أول من أظهر الإسلام بمكة. قال ابن مسعود أول من أظهر الاسلام بمكة سبعة منهم المقداد مما يؤكد جرأة الرجل وشجاعته في مواجهة المشركين بمكة خاصة انهم كانوا يقفون بالمرصاد لأصحاب الرسول يبطشون بهم ولا يتوقفون عن إيذائهم عضويا وجسديا. المقداد لم يأبه بأي بطش أو ايذاء انه بلا شك رمز للبطل المحارب في الغزوات وفي بداية الدعوة المحمدية بأم القري وقد حباه الله بطول العمر فكانت بطولاته وشجاعته تلازمه طوال هذه السنوات التي عاشها هذا الصحابي الجليل وقد كان المقداد رجلا ضخما وقد أصابه المرض حيث فتق بطنه وخرج منه الشحم وقد وافته المنية في أرض له بالجرف ثم حمل للمدينة المنورة وذلك في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت وصيته للزبير ابن العوام وبذلك طويت صفحة رجل أفني حياته مجاهداً يعرف طريقه جيداً نور الإيمان يتلألأ في مواقفه البطولية.. ولذلك نال شرف حب رسول الله صلي الله عليه وسلم والدعاء له.. رحم هذا البطل رمز البطولة والفداء.