عبد الرحمن فهمى
بين الأوتيل المصري والأوتيل الأمريكي
قرأت للكاتب الكبير صلاح منتصر تقييما لمسلسل اسمه "جراند أوتيل" التقطه من "البوفيه المفتوح" أو قل "الشاشة المفتوحة".. والغريب انني لم اسمع ولم اقرأ ولم أر أي اعلان أو اخبار عن هذا المسلسل طوال التصوير مثلا وسبب لفت نظري لهذا المسلسل ان هناك مسلسلا أمريكيا قديما جدا اسمه "أوتيل" HOTEL كان معروضا في باريس باللغة الفرنسية طبعا كانت تراه باريس كلها حتي المصريين الذين يجيدون اللغة الفرنسية.. حتي الذين لهم ارتباطات خارج منازلهم في المساء كانوا لا يخرجون إلا بعد انتهاء المسلسل حوالي الساعة الثانية.. كان هذا منذ حوالي 25 عاما عندا رافقت زوجتي للعلاج بباريس لمدة سنة ونصف سنة.
المسلسل الأمريكي - بل كل المسلسلات الأمريكية تقريبا - لا تقل عن 365 حلقة تبدأ في يناير وتنتهي في 31 ديسمبر!! والغريب ان هذا المسلسل الذي شد الناس في فرنسا وطبعا من قبل في أمريكا الكاميرا لم تخرج من الفندق.. كل احداثه داخل الفندق.. ولا ادري إذا كان الكاتب تامر حبيب قد اقتبس الفكرة أو الاحداث من هذا المسلسل أم لا وان كان الأخ صلاح منتصر قد لمح بأن هناك شيئا من الاقتباس فالفكرة أجنبية وهذا ممكن ومسموح به ولكن الاقتباس من مسلسل مصري يبقي سرقة!!
***
زمان.. أيام شبابنا البعيد.. كنا نعشق شارع سليمان باشا أيام ما كان يليق باسم الخديو.. محل البن البرازيلي والاجتماع الواقف أمامه من كبار الصحفيين والكتاب والمفكرين في الجهة الأخري اكسلسيور "مطعم ساعد نفسك" HELP YOUR الطبق الكبير بخمسة صاغ ومعه مخلل مجانا وأمامه محل كبير اسمه عزوز العشي!! من هذا العزوز العشي.. هو كبير طباخي السراي!!
محل يفتح قبل صلاة الظهر ويستمر حتي صلاة الفجر.. فيه كل أصناف الأكل المصري والأجنبي والشرقي وكذا الحلويات.. كل المشروبات.. كل شيء المهم فخامة المحل والجلسة والمقعد والجو المعطر باستمرار كانت احدي زبائنه قوت القلوب الدمرداشية!! لا يدخله كل من هب ودب.. كان عند الباب من يقول لم نقترب "هش هش".. بدون مننشة!!
أهم ما في هذه المنطقة سينما مترو!! اجمل افلام أمريكا عليها ترجمة انيس عبيد تشاهده علي كرسي "تغطس" فيه وتحت قدميك سجادة "بيغطس" فيها القدمان!! والتذاكر ايضا بخمسة صاغ ولكن الصالة بقرشين ونصف قرش!! لتشاهد "كوفاديس" قصة سيدنا المسيح و"الوصايا العشر" قصة سيدنا موسي وروميو وجولييت ودكتور جيكل ومستر هايد لسبنسر تراسي ودقت الأجراس للأبطال واجازة في سبتمبر والسابحات الفاتنات وغيرها وغيرها.. كما نقرأ ترجمة انيس عبيد وكأنك تشاهد يوسف وهبي وأمينة رزق!! قبل الفيلم كان هناك "جريدة مصر الناطقة" لحسن مراد - تليفزيون منذ أواخر الثلاثينيات وطوال الأربعينيات.. كل احداث مصر بالصوت والصورة.. سموها "الناطقة" لأنها كانت في البداية صامتة.
***
مشفق علي شبابنا الحالي.. لم يلحق بهذا الجمال وهذا الرقي وهذه العظمة وهذه الحياة الكريمة.. كان الملك حسين والملك فيصل ملك العراق وعبدالله الوصي علي العرش والسنوسي "ليبيا" والملك الحسن "المغرب".. كانوا نزهتهم المشي في وسط البلد!! ودخول بعض محلاته!! كانوا يمشون فرادي ودون حراسة.. ثم يقولون لا تبنوا عاصمة جديدة!! لالا.. لابد من بناء عاصمة جديدة بإذن الله تعالي - ربما لن نلحقها - ولكن من أجل أولادنا واحفادنا.. ويارب تكون أيامهم أحلي من أيامنا الأخيرة السوداء.. يارب.