البديل
أحمد بان
من نسمات الروح فى رمضان 3
مع الحكمة الثالثة فى هذا الشهرمن حكم ابن عطاء الله السكندرى، التd تقول “ليخفف ألم البلاء عنك، علمك بأنه سبحانه هو المبلى لك، فالذى واجهتك منه الأقدار، هو الذى عودك حسن الاختيار “ما أحوجنا إلى تلمس معانى تلك الحكمة ونحن لا ينفك أحد منا عن مواجهة المصائب فى تلك الدنيا الفانية، فليس فيما يعزى به المسلم نفسه تجاه المصائب التى قد يبتلى بها عزاء أفضل وأقوى من الثقة بحكمة الله ورحمته.

ولا تعظم المصيبة فى نفس المبتلى بها إلا لأحد سببين، الأول جحوده بوجود الله الذى بيده كل شىء، والثانى غياب ثقته بحكمة الله ورحمته ولطفه، ونحن بالطبع فى هذه الحكمة لا نناقش السبب الأول ولا نتعرض له، فلا شأن لنا بمن كان يتطوح فى تيه الجحود بالله،فلنقف إذن عند السبب الثانى وهو غياب الثقة بحكمة الله ورحمته من نفس الشخص المبتلى بالمصائب.

فكيف السبيل الى إيجاد تلك الثقة وغرسها فى طوايا النفس؟

المفترض فى المؤمن الحقيقى أن تأتى ثقته بحكمة الله ورحمته تابعة بل مستلزمة لإيمانه، إذ لا يتأتى للمؤمن أن يجتمع فى يقينه إيمان صادق بالله وشك فى حكمته وبالغ رحمته، لكن هذه الثقة قد تتعرض للذبول والنقصان من جراء ضعف الإيمان، وهو كما تعلم يزيد وينقص، وقد تتعرض لذلك من جراء رعونات النفس وتعلقها بأهوائها وشهواتها، وقد قالوا أن صاحب الحاجة أرعن لا يروم إلا قضاءها، إذ يقبل عليها بدافع من تعلقه النفسى بها ولا يتأمل فيها بعقله.

وإنما العلاح لتلك الحالة أن يعود إلى إيمانه بالله، فيغذى جذوره بمزيد من الطاعات والعبادات ثم يتأمل فى تدبير الله وأوامره التكوينية، وكيف تدور كلها على رعاية مصالح الإنسان متأملا فى جسده من المفرق إلى القدم، وكيف يحرك الله هذا الجسد فى عافية وقدرة على أداء وظائفه وممارسة رغائبه.

تأمل فى هذا الكون الذى يضمك مع جميع خلقه فى تناسق عجيب وقدرة باهرة، فمن هو الذى أدار الكون كله على هذه الرعاية العجيبة لهذا المخلوق الذى هو الإنسان؟ هل يساورك الشك فى أنه الله الذى هو لا غيره مالك هذا الكون، أدلة الله الناطقة فى كتابه المنظور لا يمكن إحصاؤها وآيات لطفه ورحمته سابغة على كل الكون تعاينها فى يومك كله وأحوالك بين أفراح وأتراح، كلها حقائق ينبغى أن تغرس فى نفسك ثقة تامة بمولاك، الثقة التى تجعلك موقنا بأنه تعالى لا يريد بعباده إلا خيرا ولا يقضى إلا بما يعود إليهم بالسعادة فى الدارين.

إن هذه الحقيقة من شأنها أن تملأ كيانك حبا لمولاك وثقة برحمته ولطفه، فإن واجهتك منه أقدار إبتلاء بمصيبة، كمرض بعد عافية أو فقر بعد غنى أو اضطراب بعد أمن، فلن تشك للحظة فى أنها وإن بدت مصائب فى الظاهر، إلا أنها نعم فى حقيقة الأمر وباطنه لأنك تعلم أن إلهك الذى غمرك بالنعم التى لاتحصى، وسخر لك أرضه وسماءه وكواكبه لن تواجهك أقداره إلا بما يصلح شأنك، فإما أن يكون غذاء يمتعك أو دواء يطببك، ولو أطلعك الله على غيبه لأدركت هذه الحقيقة ولكنه قضى لحكمة باهرة أن يخفى عنك ما لايدخل فى شأنك ولا يتعلق بمهامك ووظائفك، ونبهك إلى هذا إذ قال “وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لاتعلمون” ورب قضاء واجهتك منه مصيبة فيما بدا لك فى أول الأمر، ثم أطلعتك العاقبة منه على نعمة اغتبطت بها وحمدت الله عليها، تأمل فى قول ابن عطاء الله إذ قال ليخفف ألم البلاء عنك، ولم يقل ليزيل أو يمحو ألم البلاء عنك، فلا مطمع لغياب الألم عن الجسد وقد قضت سنة الله ذلك، مهما تحقق الرضا عن الله ومهما توفرت الثقة فى النفس بحكمته تعالى، لكن شتان ما بين حال من يعاني ألما لا يعلم له مصدرا أو سببا، وحال من يعانى ألما نتيجة جراحة عاقبتها الشفاء والعافية، بل أنك قد ترى من يتأوه من الألم ويشكر فى الوقت ذاته طبيبه الذى تسبب له بذلك الألم، وقد جاء التعبير القرآنى دقيقا فى الدلالة على هذا المعنى فى قوله تعالى “واصبر لحكم ربك فأنك بأعيننا ” قطع جازم بان الله لا يريد برسوله إلا خيرا، فهو محفوظ برعايته، وكم هو دقيق وجميل قول العارف بالله العالم الشيخ أحمد زروق فى شرحه لذه الحكمة حين يقول “كما عودك الله على ما تحب، فاصبر له على مايحب” اللهم أجعل قلوبنا صابرة شاكرة لأمرك، وأرضنا بقضائك الذى قضيت، واكشف لنا حكمتك فى كل أمر، يا نعم المولى ويا نعم النصير، والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف