مايكل عادل
صاحب المحل والطِفل المُعجزة
ربما لأن الأمر لم يستغرق دقائق معدودة من محاولة ضخ السلام النفسي في قلوب المشاهدين، ولأن الأمر بالأساس لم يكن سوى أغنية ترويجيّة لمؤسسة تعالج القلوب بالمجّان فلا مانع من أن تنشر فيها السلام بالمجّان أيضاً، ولكن ربما لم يأت الحدث على هذا النحو بالكامل، فكما أحدثت أغنية “ارسم قلب” تأثيرها المطلوب بنسبة كبيرة إلا أنها أثارت موجة من الانتقادات لصوت “هشام” الذي قام بإنتاج وتلحين الأغنية، والذي بالفعل لم يكن متناغماً مع المجموعة التي تمتلك الحد الأدنى من القدرات الصوتية التي تجعل أحدهم قادراً على قول كلمة واحدة أو كلمتين مُلحّنتين على الأكثر، بينما قرر هشام أن ينفرد بجُمَل كاملة ليغنيها بصوتها بصفته “صاحب المحل”.
وبمجرد أن ثارت موجة الانتقادات قام –كالعادة- الفريق المضاد بالرد، ولكن هذه المرة كان الرد مثيراً للأعصاب وللسخرية أيضاً، فقد كان الرد بأن الرجل الذي لا يعجبنا صوته هذا هو صاحب ومؤسس شركة “روزناما” للإنتاج الفنّي، وقبل أن نقول “أنعِم وأكرِم” وبادرونا بأنه أيضاً يدرس إدارة الأعمال في جامعة في أسبانيا، وأنه مديراً لشركة الإنتاج منذ أن كان في عمر السادسة عشرة، وحتّى لحظة كتابة هذه السطور لا نعلم ما علاقة كل تلك السيرة الذاتية بصوت هذا المواطن “هشام” الذي قرر المستمعون أن ينطقوا برأيهم فيه! ولا نعلم أيضاً لماذا يتحدث عنه هؤلاء وكأنه عصاميّ بروليتاري حقق قفزة طبقيّة، وحتّى لو كان كذلك فكيف لهذا الأمر أن يحمل منتقديه على تغيير رأيهم في صوته؟
ودون داعٍ أو مناسبة محددة في هذا الموقف، قفز أمام وجهي ذلك الشاب صاحب الستّين ربيعاً المُسمَّى “زياد الرحباني”، هذا الشقيّ الذي ألّف أوّل ديوان شِعر له حينما كان عمره 12 عاماً، ولحّن إحدى أشهر الأغنيات في تاريخ الموسيقى العربيّة “سألوني الناس” حينما كان عمره سبعة عشر عاماً فقط، وألّف ولحّن وأخرج من مخزونه الإبداعي الوفير قبل أن يتم العشرين عاماً غير معتمد على مال ورثه أو شركة تأسست بمصروف شخصي.
لاح في تلك اللحظة و -للمرة الثانية- دون مناسبة هذا الفتى الذي كتب للمسرح ومثّل فيه قبل أن ترى عينه الضوء، والذي حملته الدنيا على رأسها وألقت به داخل نيران الحرب الأهلية لينضج فوق عمره بعُمر آخر حمل فيه الكلمة والسلاح والراية واكتملت به رؤيته الناضجة للأمور.
زياد ابن فيروز وعاصي الذي عاش كل ذلك، وبدأ مشواره منذ طفولته هو أيضاً زياد الذي تقول له والدته بأنها لا تستيغ صوته، ليخرج إلى الجميع في اللقاءات الحواريّة معلناً ذلك بكُل فخر ومؤكداً عليه ومضيفاً له بأنه لا يرى في نفسه مطرباً فهو صانع للفن بداية من الكلمة واللحن والتصوّر الكامل، انتهاء بالرؤية الإنتاجيّة وكيفيّة أخراج العمل الفنّي إلى الجمهور في شكله الملائم لهذا الطرح.
لا تحزن يا هشام ولا تغضبوا يا أنصار هشام، فالصوت السيء ليس عيباً وامتلاك شركة في سن المراهقة ليست ميزة، ونحن لسنا حاقدين عليه كما قلتم، فليس بيننا من يريد أن يصبح مطرباً ويتمنى أن يكون صوته كصوت هشام، الأمر كان بسيطاً فقط حينما قال البعض ملحوظته ورأيه في صوت الشاب المعجزة، لا تحزن يا هشام فزياد الذي لحّن وألّف المئات من أغنيات السيّدة فيروز يقول بنفسه عن نفسه أن صوته لا يعجبه، رغم أن الكثيرين لا يتفقون معه في ذلك الحُكم الذي قطعه على نفسه، لا تحزن يا هشام ونتمنّى أن يتخلص مجتمعنا سريعاً من تلك الظاهرة التي صاحبت خروجك على الشاشة، والتي أضاعت بضجيجها الهمس اللطيف المصاحب لعمل الدكتور مجدي يعقوب “صاحب المحل الحقيقي”.