الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
الشوري في بدر
الشوري مبدأ اسلامي. حث القرآن الكريم المسلمين عليه وطبقه سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان أبرز تطبيق له في غزوة بدر إذ أن هروب قافلة أبي سفيان بن حرب بتجارة قريش من قبضة المسلمين الذين أرادوا استرداد بعض أموالهم المنهوبة والتي استولي عليها القرشيون في مكة هاجر المسلمون من مكة تاركين أموالهم وديارهم في أيدي أعدائهم الذين اعتدوا عليهم وآذوهم وأذاقوهم العذاب ألوانا فضلا عن القتل والطرد.
علمت قريش بتعرض المسلمين لتجارتهم فتوجهوا جميعاً عبيدهم وصناديدهم لمنع المسلمين.. علم الرسول وصحبه بقرار القافلة وهربوها كما علموا بخروج قريش الي بدر وهو مكان قريب من المدينة قاصدين الفخر بقوتهم وسطوتهم.
عندئذ عرض الرسول علي أصحابه أمر قريش منتظرا منهم الرأي والمشورة موجها حديثه الي المهاجرين فأشاروا عليه بالخروج حتي تعلم قريش أن محمداً الرسول القائد له جيش يدفع به الأعداء ونظر الي الأنصار فبرز قائدهم ليقول: والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ولا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسي. اذهب أنت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون. ولكن نقول: اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. هذا عمل حربي استشار فيه الرسول أصحابه ونزل علي رأيهم وخرج في جيش قوامه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا كلهم أبطال يملؤهم الايمان وتدفعهم العقيدة للدفاع عن الدولة الوليدة.
نزل الرسول صلي الله عليه وسلم في مكان للمعركة فجاءه أحد أصحابه "الحباب بن المنذر" ليسأله في أدب وثقة أهذا منزل أنزلكه الله فلا تحيد عنه أم هو الحرب والرأي والمكيدة.. أجابه الرسول صلي الله عليه وسلم. بل هو الحرب والرأي والمكيدة عندئذ قال الحباب بن المنذر ننزل في مكان كذا ونجعل الماء خلفنا نشرب منه ولا يشربون. تيقن الرسول انه نعم الرأي وأخذ به.. ولولا ان هذا الصحابي الجليل يعلم صدق محمد وانحيازه الي طاعة ربه الذي علمه الشوري ما جرؤ علي مواجهة الرسول. ولولا أنه يعرف ان ذلك عمل اسلامي ما جرؤ علي الحديث مع سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم.
هكذا تكون تلك المعركة ميداناً حقيقيا لاعمال مبدأ الشوري وتطبيقه عمليا. ذلك قبل انتشار المذاهب السياسية الحديثة والتشدق بالديموقراطية الغربية.. الاسلام في هذا سبق كل النظم في احترام عقل الاخر والأخذ بمبدأ الشوري والانحياز الي الرأي الأصوب بعد احتكاك الفكر بالفكر.. والتقاء الرأي بالرأي للخروج الي ما هو صحيح صادق مفيد.
يستفاد من ذلك ان القائد في أموره الدنيوية غير مقدس الرأي. إنما يتحري المصلحة العليا للناس.. وذلك يطرح عدة آراء للوصول الي الرأي الأصوب والأصح ولو كان مخالفا لرأيه... معركة بدر تطبيق عملي للشوري ومدرسة للأمة في حق ابداء الرأي ومناقشة القائد في غير ما هو ثابت من الدين بالضرورة حتي ولو كان الرسول صلي الله عليه وسلم الذي أرسي مبدأ الحكم المدني قائلاً: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".. لذلك انتصر المسلمون الأوائل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف