المساء
السيد العزاوى
أهل الإيمان
نعم الله علي عباده كثيرة وتجل عن الحصر. يتيح الفرصة تلو الأخري لعل

الإنسان خاصة المسلم أن يتراجع عن الطريق الخطأ الذي سلكه ربما لهوي في

نفسه واما الانصياع لتقاليد وعادات الأهل والمجتمع الذي يعيش فيه وقد أفاء الله

علي العباد بمناسبات يستجيب الله فيها لكل عبد تائب راجع إلي طريق الحق

والصواب ومن هذه المناسبات أيام الجمعة من كل أسبوع والأشهر الحرم وشهر

رمضان الذي أنزل فيه القرآن من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالفضل فتراجعوا

عن طريق الضلال وعادوا إلي الصواب انه هشام بن العاص القرشي السلمي

وأمه حرملة بنت هشام بن المغيرة وهو أخو عمرو بن العاص أسلم منذ فجر

الدعوة المحمدية ومعروف بين أقرانه بأنه كان قديم الإسلام فقد اعتنق الدين

الحنيف بأم القري علي سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم. وهاجر هشام إلي

الحبشة ثم قدم إلي مكة حين بلغه أن النبي صلي الله عليه وسلم قد هاجر إلي

المدينة المنورة وفي أم القري حبسه قومه هناك وحالوا بينه وبين رغبته في الهجرة

واللحاق برسول الله صلي الله عليه وسلم وظل هشام بمكة حتي قدم المدينة يوم

الخندق معلناً رفضه لكل القيود التي أدت إلي حبسه في مكة المكرمة.
وقد استمر هشام مقيماً في أم القري خيراً فاضلاً. وكان أصغر سناً من أخيه عمرو

أياً كانت الموانع التي وقفت في وجه هشام ومنعته من الهجرة إلا أنه ظل يمارس

شعائر الإسلام وفي داخله عزيمة صادقة للهجرة للحاق بركب رسول الله صلي

الله عليه وسلم وها هو عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يروي عن أبيه: لما

اجتمعنا للهجرة كنا قد أعددنا العدة للهجرة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن

العاص واتفقنا علي أن يكون لقاؤنا عند موضع قريب من مكة وتضمن الاتفاق أن

يكون اللقاء بيننا في هذا المكان صياحاً وأن من أصبح أي منا لم تمكنه الظروف

من الخروج وهنا فليمض صاحباه إلي طريقهما دون تراجع أو انتظار لخروج

صاحبهما.
في الصباح التقي عمر و عياش بينما حبس هشام بن العاص ومن الغريب انه فتن

فافتتن ويواصل عمر حديثه قائلاً: قدمنا المدينة المنورة وكان هناك حديث يدور بيننا

يتضمن والله ما الله بقابل من هؤلاء توبة. قوم عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا

رسوله. ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا وكان هؤلاء يرددون هذا

الحديث في أنفسهم وكان هشام بن العاص في مقدمة هؤلاء الذين يقصدهم هؤلاء

الذين يجري الحديث بينهم ووسط هذه الأحاديث أنزل الله عز وجل قوله الكريم:

"قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر

الذنوب جميعاً" إلي قوله: "مثوي للمتكبرين"ـ الآيات من 53 ـ 60 سورة الزمر ـ.

يقول عمر فكتبتها بيدي. ثم بعثت بها إلي هشام يحدوني الأمل في أن يهديه الله

للإسلام. ومن المبشرات بالخير ان هشام ابن العاص عندما وصلته هذه الآيات

الكريمات صعد إلي منطقة يقال لها ذي طوي وهي مكان أسفل مكة وقد أخذ يتردد

بهذه المنطقة وهو يقرأ هذه الآيات الكريمة لعل الله يمن عليه بفهمها وقد تحقق هذا

الغرض فعرف انها نزلت في هؤلاء الذين تخلفوا عن الهجرة وهشام من بينهم

وعلي أحضر بعيره وركبه وظل جالساً عليه حتي لحق برسول الله صلي الله عليه

وسلم. وهناك وصل إلي المدينة المنورة وفي داخله نية صادقة وعزيمة قوية لرفع

راية الإسلام ونشر مبادئه التي تقطر سماحة واعتدالاً ومضت الأيام بهشام حتي

جاءت موقعة أجنادين فقاتل فيها هشام بتفان واخلاص حتي سقط شهيداً ومما تجدر

الإشارة اليه ان جيش المسلمين انتهوا إلي موضع لا يعبره إلا إنسان بعد إنسان

بمفرده وهنا قامت الروم بالقتال في هذا الموضع وتقدموا نحوه فعبروه فتقدم

بشجاعة وقاتلهم حتي قُتل ووضع علي هذا الموضع فسد هذه الثغرة الضيقة ولما

انتهي اليها المسلمون هابوا أن يعبروها خشية أن تصيب الخيول جثمان هذا الشهيد

إلا أن أخيه عمرو طلب من الناس المجاهدين أن يتقدم موضحاً ان الله قد استشهده

وهو جثة ولا حرج في أن تطأه الخيول في تحركاتها وهنا تمزق جثمان هذا الشهيد

فقام أخوه بجمع عظامه ولحمه ثم قام بدفنه وقد مضي هشام بن العاص إلي جوار

ربه شهيداً ويكفي هذا الشهيد وأخاه شهادة رسول الله صلي الله عليه وسلم حين

قال: ابنا العاص مؤمنان وتلك هي ثمار نور الإيمان التي استقرت في هشام رحمه

الله وأخيه برحمته سبحانه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف