نصف الدنيا
نوال مصطفى
أمى..أمى.. حتى آخر يوم فى عمرى
سؤال عن أمى وكيف أثرت فى تكوينى؟ وجهه إلى الإعلامى اللامع محمود نصار أثناء حواره معى على القناة الأولى فى برنامج «السلم» الذى عرض فى سهرة الخميس الماضى.أخذنى السؤال إلى ذكريات تفوح برائحة الشجن وأيام يغمرها الدفء فى عز العواصف والرياح.

قلت: كانت الداعمة، المشجعة لى فى كل خطواتى.تفهمنى دون أن أتكلم، وتحس ألمى دون أن أشكو.علمتنى أن عمل المرأة هو سندها الحقيقى فى حياة متقلبة وبشر يتغيرون. تلك هى طبيعة الحياة والبشر.

علمتنى أن العطاء الإنسانى دواء للنفس يفوق كل أدوية الاكتئاب، وبقدر ما يعطى الإنسان من وقته وقلبه للآخرين بقدر ما يعطيه الله من نعمة بغير حساب وأهمها نعمة الرضا والسلام الداخلى. وعلمتنى أن التوازن فى الحياة شىء مهم يحفظ للإنسان قدرته على النجاح والسعادة معا.

أمى كانت امرأة استثنائية بكل معنى الكلمة. صخرة صلبة فى مواجهة الأزمات والمحن التى مرت بها، حنونة أرق من وردة فى مشاعرها وإحساسها بالآخرين ونحن أولادها على القمة فى قلبها وحياتها. إنها سيدة تملك حكمة فطرية وفلسفة فى الحياة، تدرك كيف توجه أبناءها، كيف تفكر معهم بصوت عال حتى فى مشاكل العمل أو الحياة الخاصة.تجد حلولا وبدائل وكأنها النور الإلهى الذى يهديك للطريق الصحيح بعد حيرة وتخبط طويل.

«أمى.. أمى.. أمى حتى آخر يوم فى عمرى».. أغنية تملؤنى بالشجن ولا أستطيع أن أمنع عينى من البكاء. «ست الحبايب يا حبيبة.. يا رب يخليك يا أمى» أغنية ثانية تفقدنى القدرة على مقاومة الدموع.

الحياء.. الرقة.. التواضع.. الحب المتدفق بلا حدود. الصبر الذى يفوق الاحتمال، الرغبة فى أن ترانى أنا وإخوتى فى أحسن حال وأرفع مستوى علمى. نشارك فى الحياة ولا نتفرج عليها. هذه كانت أمى.

تنظر فى عينى فتقرأ سطور مشكلة حائرة فى مقلتى. «مالك يا نوال؟» هكذا كانت تفاجئنى بينما كنت أرسم ابتسامة تخفى ما بى. «لا شىء يا ماما.. أنا كويسة». «لا مش كويسة فيه إيه؟». وتنهمر دموعى وحكايتى على صدرها وفى حضنها.

تدهشنى دائما بحجم الصمود والرضا اللذين تحملهما أعماقها. الحزم والحنان فى آن. الحب المقترن بالخوف والحرص أتذكر جملتها الأثيرة التى كانت كثيرا ترددها على مسامعنا أنا وأخواتى وإخوتى «يا بخت من بكانى وبكى على.. ولا ضحكنى وضحك الناس على» كانت كلماتها بلسم تحيلك إلى كائن مختلف. تتأمل «كلمات ليست كالكلمات» كما يقول نزار قبانى، كلمات مغموسة فى قنينة الحب الصافى ومعجونة بالخبرة والحكمة والإحساس الفطرى بالخطر أو الخير.

أمى الحبيبة تركتنى لكنها لم تفارقنى أبدا.فهى باقية فى أعمق أعماقى. أراها فى وجهى، فى تعبيرى اللغوى والجسدى، فى كلمات أقولها لابنتى «شروق» فأضبط نفسى أردد نفس كلماتها.يا الله، من شابه أمه فما ظلم!

رحلت الحبيبة فى 13-4-2007 ولا تزال بروحها المتوثبة للحياة، المتطلعة للأمل، تلازمنى وتحرضنى على الاستمرار بنفس تلك النظرة للحياة. رحلت أمى لكن طاقتها الجبارة التى كانت تشحننى بموجاتها لا تزال تضىء حياتى. يا رب يخليكى يا أمى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف