الصباح
وائل لطفى
إيجابيات وسلبيات الحرب فى اليمن قبل أن تسقط عاصمة عربية خامسة
*حين تعلن مصر الحرب فأنا تحت الراية المصرية أينما تكون بغض النظر عن أى تفاصيل
*إيران دفعت الأمور فى اتجاه الحرب بعد أن توالى سقوط العواصم العربية تحت نفوذها.. فهل ننتظر حتى تسقط القاهرة والرياض؟
*من سلبيات هذه الحرب أنه سيسقط فيها عرب ومسلمون.. ومن إيجابياتها أنها أثبتت صحة الطرح المصرى
فى 26 سبتمبر 1962 الثورة على حكم الإمام البدر، وناشدوا مصر أن تساعدهم لينتقل المشير عبدالحكيم عامر ومعه مجموعة من قيادات القوات المسلحة لليمن خلال أيام فى زيارة سريعة.. تنزل بعدها القوات المصرية لليمن لتخوض حربًا صعبة ضد قبائل شرسة.. استمرت خمس سنوات، وقيل إنها كانت من الأسباب التى قادت إلى نكسة يونيو 1967، لكن الفارق الكبير أن عدو مصر الرئيسى فى حرب اليمن الأولى هو حليفها الرئيسى فى حرب اليمن الثانية.. فالحرب الأولى كانت حلقة من حرب ضارية بين الزعيم جمال عبدالناصر وبين المملكة العربية السعودية وقتها، حيث كان يساند ما يراه ثورة ضد النظام الرجعى الذى يمثله حكم الأئمة فى اليمن، بينما كانت للمملكة العربية السعودية صلات وثيقة بقبائل اليمن.. وهى صلات وثقتها بكميات مهولة من الذهب.. والأموال.. وهو «حينما تدخل مصر الحرب فأنا تحت راية بلدى أينما تكون.. لا يحتمل الأمر إبداء وجهات نظر، بينما رحى الحرب تدور وجنودنا على خط النار.. لا نقاش إلا فيما بعد.. إن كان ثمة داعٍ إلى النقاش»، كانت هذه بعضًا من خواطر قفزت إلى ذهنى ظهر الخميس الماضى.. والأنباء تتوالى عن قصف قوات سعودية لمراكز حوثية فى اليمن.. وعن تحالف عسكرى بين عشر دول تمثل مصر واحدة منها إن لم تكن أهمها.. ورغم أن مصر كانت لديها تحفظات واشتراطات على الكيفية التى ستشارك بها القوات المصرية.. إلا أن بيان الرئاسة المصرية حسم الأمر وقال إن مصر لبت نداء اليمن.. لتكون هذه هى المرة الثانية التى تلبى فيها مصر نداء اليمن، وإن كانت المرة الأولى منذ ما يقرب من 52 عامًا.. حين أعلن الضباط الأحرار ما اضطر مصر وقتها إلى دخول مزاد الولاء، حيث تم سحب كميات كبيرة من احتياطى الذهب المصرى لتوزيعها على القبائل اليمنية للدرجة التى دفعت أعداء جمال عبدالناصر لأن يقولوا إن حرب اليمن أفنت احتياطى الذهب المصرى فى البنك المركزى، لكن الجانب الآخر من الصورة يقول إن مصر أخرجت اليمن من ظلمات العصور الوسطى، حيث كانت صنعاء مدينة من القرون الوسطى تغلق أبوابها عند المغرب، ويسلم المفتاح للإمام القابع فى قصره ولا يفتح الباب إلا فى صباح اليوم التالى!
فارق كبير إذن بين حرب اليمن الأولى وحرب اليمن الثانية، حيث تخوض مصر الحرب ضمن تحالف استراتيجى واسع مع المملكة العربية السعودية الحليف الأهم لمصر فى الشرق الأوسط، وحيث تتصدى الدولتان العربيتان الأكبر للنفوذ الإيرانى، الذى بات يتصاعد فى المنطقة حتى أوشك على أن يلتهمها.
ولم يكن اقتراب الحوثيين الموالين لإيران من مضيق باب المندب هو القشة التى قصمت ظهر البعير فقط.. ولكن اقتراب توقيع اتفاق التفاهم الأمريكى ــ الإيرانى حول البرنامج النووى أيضًا كان مدعاة للقلق ودعوة للتحرك.. فإذا كانت إيران قد استطاعت السيطرة على أربع عواصم عربية، وهى تحت سيطرة العقوبات الأمريكية فكيف ستكون الحال إذا انقلب الحصار إلى تفاهم أو تحالف؟
لقد فتح ذلك سلسلة من التكهنات والسيناريوهات رأت كلها أن طهران ستكون مع تل أبيب ركيزتان أمريكيتان فى المنطقة.. ووقتها يمكن أن نقرأ الفاتحة على روح العرب والعروبة.. التى تحتضر منذ سنوات طوال.
لقد دفعت إيران بالأمور إلى الاشتعال.. أو بمعنى أصح ضغطت على زر التفجير لينفجر برميل بارود اسمه الصراع السنى ــ الشيعى فى المنطقة، وهو برميل تتراكم فيه طبقات من البارود يعود بعضها إلى عام 40 من الهجرة، ويعود بعضها الآخر إلى قيام الثورة الإسلامية فى إيران.. ودخول علاقتها بالعالم الإسلامى السنى لمرحلة العداء بعد الإعلان عن تصدير الثورة الإسلامية.. ثم تكتل الدول العربية السنية مرحليًا خلف العراق فى حرب الثمانى سنوات ضد إيران.. ثم غزو العراق للكويت وتضحية الدول العربية بالعراق وموافقتها على الغزو الأمريكى له عام 2003، لتكون بغداد هى أول «قضمة» إيرانية من قطعة اللحم العربية.. ثم تتلوها عاصمة عربية أخرى هى بيروت، التى لا يعلو صوت حزبى فيها على صوت حزب الله، وهو حزب إيرانى الهوى والهوية- وبعد بيروت كانت دمشق التى اضطرتها الحرب الأهلية لمزيد من الارتماء فى أحضان إيران.. ولم يضيّع الإيرانيون وقتًا ودفعوا بالأمور فى اليمن إلى طريق اللاعودة، لتصبح صنعاء هى العاصمة العربية الربعة التى تسقط فى قبضة إيران.. ليصحا العرب ولسان حالهم يتساءل: ماذا ننتظر أكثر من هذا، وأى عاصمة عربية سيكون عليها الدور؟
ورغم أن الحرب -أى حرب- لا تخلو من سلبيات، وهى أن هناك أرواحًا تزهق.. وفى هذه الحالة فهى أرواح عربية ومسلمة.. إلا أنها لا تخلو أيضًا من إيجابيات.. فقد جاء ما حدث فى اليمن ليجعل من فكرة القوة العربية المشتركة أمرًا واقعًا، سواء اتفقت عليها الدول الحاضرة للقمة العربية أم لم تتفق.. وثانيها أن تطورات الأمور أثبتت أن تحالفًا عربيًا ركيزته مصر والسعودية ضد إيران لا يستلزم بالضرورة مشاركة تركيا -بحسب تصور سعودى ظهر فى أعقاب تولى جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز- حيث التزمت تركيا الصمت وكأن الأمر لا يعنيها.. فى حين أن مصر كانت فى قلب المعركة مع قوات التحالف العربى كتفًا بكتف وسلاحًا بسلاح، وهو ما يعنى أن الأحداث تجاوزت الطرح الذى يقول إن تركيا يجب أن تكون شرطى المنطقة فى مجابهة النفوذ الإيرانى، ليؤكد للعرب أنه «ماحك جلدك مثل ظفرك».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف