خالد عكاشة
العمل العربى المشترك يبدأ من «عاصفة الحزم »
*قوى أجنبية تغرق اليمن بكميات من الأسلحة تصل إلى 3 قطع لكل مواطن
*السعودية تغلق المجال الجوى فى اليمن لمنع أى مغامرة للدعم من إيران
*ضغوط خليجية على واشنطن لقبول الضربة العسكرية.. وبن نايف يحذر نجل صالح
كانت نشأة الحوثيين مرحلة مهمة ودقيقة فى تاريخ اليمن دون شك، كونها جماعة عقدية مسلحة مدعومة إقليميًا وتلعب على التناقض المذهبى، وتسعى لتحقيق مشروع ذاتى لا يمت بصلة إلى مفهوم الدولة الوطنية، فمع توسع حركة الحوثى بدأ مشروعها السياسى فى التبلور، وخاضت بالفعل ست حروب طاحنة ضد الدولة اليمنية، وكان الرئيس المخلوع على عبد الله صالح يستغل ورقة الحوثيين للحصول على دعم من دول الإقليم، واستنزف جيرانه الخليجيين فى مليارات الدولارات بحجة حمايتهم من المد الشيعى، حتى قيل مؤخرًا أن ثروته ناهزت الستين مليار دولار تتوزع فى نحو عشرين دولة، وجرى إدراجها فى البنوك باسم شركات وهمية لأقاربه ومعاونيه، تحول الحوثيون إلى قوة إقليمية لا يستهان بها بعد النقلة النوعية التى قامت بها إيران فى دعم مشروعهم بشكل صريح وسافر، والتى من خلاله ألقت بكل ثقلها فى تحويلهم إلى نموذج موازٍ لحزب الله اللبنانى، فى مقابل ضعف السلطة السياسية الرسمية اليمنية بسبب فساد نظام على عبد الله صالح، وانشغال أبناء الأحمر بأعمالهم الخاصة، التى تدر على كليهما مليارات الدولارات حسب تسريبات ويكيليكس قبل الثورة اليمنية وما تكشف بعدها من حقائق صادمة.
بمرور الوقت كانت مراكز القوة الحاكمة فى اليمن تنهار، على عبد الله صالح خرج من السلطة، وآل الأحمر تراجعوا تحت ضغط هجمات الحوثيين، وتفكك الجيش الذى هيمن عليه آل صالح وآل الأحمر فى السابق ثم تغيرت الأحوال بعد الثورة، وفى نهاية المطاف لجأ الخليجيون بقيادة السعودية إلى دعم عبد ربه منصور هادى العسكرى السابق وابن الجنوب ذى الخبرة السياسية الكبيرة، فى محاولة للاحتفاظ بتماسك اليمن كدولة موحدة فهو الذى شغل مناصب عدة كان آخرها نائب الرئيس اليمنى، قبل أن يتولى الرئاسة باستفتاء شعبى شهد مشاركة واسعة عقب الثورة مباشرة، لتكون أولى مهام هادى هى رعاية الحوار الوطنى الذى شمل جميع التيارات السياسية وأطياف المجتمع اليمنى القبلية والجهوية وأيضا المذهبية، لكن مخرجات الحوار الوطنى لم ترض جميع المشاركين، فحين أعلن الرئيس هادى نتائج الحوار، رفض الحوثيون القرار المتعلق بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فيدرالية، وهو حل كان يرى كثيرون أنه كفيل بحل معضلة من أكبر معضلات اليمن على مر تاريخه، لكنه تسبب فى أكبر أزمة تمر بها البلاد فى تاريخها المعاصر بعد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، كان التقسيم الفيدرالى يقترح إنشاء 3 أقاليم فى الشمال و3 أقاليم فى الجنوب وعاصمة سياسية واحدة ودستور سيادى وجيش وطنى واحد، لكن الحوثيين رفضوا الاقتراح وطالبوا بإعادة توزيع تلك الأقاليم للحصول على منفذ بحرى ضمن الإقليم الذى يضم محافظات صعدة وعمران وصنعاء وذمار التى يسيطرون عليها.
كان من الواضح أن الحوثيين يسعون لإنشاء دويلة خاصة بهم داخل نطاق الدولة الوطنية، لذلك بعد رفضهم مقترح الأقاليم الستة لعدم استفادتهم منه صعّد الحوثيون ضغطهم على النظام، وتمددوا عسكريًا إلى المحافظات المجاورة لصعدة (معقل نفوذهم)، ثم دخلوا إلى العاصمة صنعاء تحت شعار (رفع الجرعة) وهى مظاهرات احتجاجية نظمها أنصار الحوثى لمطالبة الحكومة بالتراجع عن إجراءاتها التقشفية التى اضطرت لاتخاذها لمواجهة الانهيار المستمر للاقتصاد اليمنى، لكن العديد من الأحزاب السياسية ذكروا مبكرًا إن تظاهرات الحوثيين ما هى إلا غطاء للتمهيد لانقلاب على السلطة السياسية، وبالفعل حشد الحوثيون أنصارهم على أطراف العاصمة ودخلوا إليها بأسلحتهم وسيطروا على المؤسسات السيادية، ومنها معسكرات الجيش التى تبين وقتها أن أنصار على عبد الله صالح قد تحالفوا معهم وقاموا بتسليمها إليهم، حيث نهبوا مئات القطع الحربية مثل الدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وذهبوا بها إلى معقلهم فى صعدة، ليتحول الحوثيون إلى القوة الأكثر بأسًا فى المعادلة اليمنية المتشابكة والتى يحكمها السلاح دون منازع، وعليه احتجز الرئيس هادى وظل تحت الإقامة الجبرية إلى أن نجح فى الفرار من قبضة الحوثيين، وذهب إلى عدن عاصمة الجنوب الذى يعد الرئيس هادى أحد أبنائه.
من مدينة عدن بدأ الرئيس هادى ممارسة مهام منصبه كرئيس للجمهورية بعدما تراجع عن الاستقالة التى تقدم بها فى وقت سابق لمجلس النواب، وبدأت الدول الخليجية فى دعم الرئيس هادى بتوجيه سفاراتهم للعمل من عدن بشكل رسمى، فلم يحظ انقلاب الحوثيين بأى دعم سوى من إيران الحليف الاستراتيجى للجماعة الشيعية، وكان استئناف السعودية نشاطها الدبلوماسية من عدن «العاصمة المؤقتة لليمن» رسالة قوية لطهران أن الرياض ومن ورائها دول مجلس التعاون الخليجى لا توافق على انقلاب الحوثيين، ولن تسمح له بأن يمر رغم كل ما يحققه من صعود على الأرض، ففى مهب الصراع الدائر فى اليمن تبدو السعودية الفاعل الأكبر والأهم، وهى تسعى بكل قوة لتحقيق هدفين رئيسيين الأول منع اليمن من الانزلاق إلى الحرب الأهلية، لحفظ أمنها القومى وحدودها فحرب أهلية فى اليمن تعنى كارثتين مكلفتين أولاهما ملايين اللاجئين اليمنيين سيهجرون باتجاه السعودية، والثانية ازدهار وتنشيط لكل «التنظيمات المتطرفة» التى ستكون أول الأطراف المستفيدة من أجواء الحرب والفوضى، الهدف الثانى للسعودية وتشاركها فيه العديد من دول الخليج هو منع استقرار الأمر للحوثيين، وذلك لسببين أولهما أنهم حلفاء لإيران والسعودية لا تريد لإيران موضع قدم على حدودها، والثانى وهو الأخطر أن الحوثيين لن يستطيعوا السيطرة على كل اليمن، والذى سيكون وقتها مرشحًا لأن يتشظى إلى ما هو أكثر من شمال وجنوب، بل إلى يمن الجبل ويمن الساحل ويمن الصحراء ثم يمن الجنوب وربما يمن النفط.
تصل تقديرات عدد الأسلحة النارية داخل حدود اليمن إلى معدلات عالية تصل إلى ستين مليون قطعة سلاح مختلفة الأنواع، أى ما يقرب من ثلاثة أسلحة لكل يمنى، ومع السيطرة الحوثية على عدد من المدن اليمنية الرئيسية أضحى العنف والسلاح هو أداة كل فصيل يمنى لحسم الصراع لصالحه، فى ظل إخفاق المبادرات الإقليمية والدولية لحل الأزمة اليمنية التى لا يقتصر تهديدها على الداخل اليمنى فقط، ولكن تداعياتها امتدت لتشمل الإقليم وفى القلب منه المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى وعلى تماس معه أيضًا فى الخطر كل من مصر والسودان، الدولتان اللتان تطلان على البحر الأحمر المهدد من خلال اضطراب الأوضاع الأمنية لباب المندب بوابة الدخول إلى قناة السويس المصرية.
تلك كانت درجة حرارة الخطر عشية الإعلان المفاجئ عن انطلاق عملية (عاصفة الحزم) والتى ضمت الدول العشر التى تم الإعلان عنها، بهدف مساندة نظام الرئيس اليمنى الذى تقدم للجامعة العربية بطلب مكتوب يطالب فيه بالتدخل العسكرى العربى السريع لإنقاذ اليمن من السقوط الكامل فى يد الحوثيين، خاصة مع تهديدهم لمدينة عدن، ولقرب وصولهم إلى السيطرة على ساحل البحر الأحمر بالموانئ الاستراتيجية المطلة عليه، فى لحظات الهجوم الأولى للعملية قامت الرياض بتأمين معظم المجال الجوى اليمنى، وتبين بوضوح أنها تعمل لفرض منطقة حظر جوى واسعة فوق اليمن، منعًا لأى مغامرات إيرانية تلعب لصالح الحوثيين كما تردد بقوة داخل اليمن فى اللحظات الأخيرة التى سبقت الإعلان عن العملية، أن وزير الدفاع السعودى الأمير محمد بن سلمان وجه تحذيرًا شديد اللهجة إلى أحمد صالح نجل الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، والذى تبين أنه يقود بنفسه الهجوم على عدن، من إمكانية «إبادة قواته» إذا واصلت محاولة التقدم باتجاه المدينة التى أعلنها الرئيس عبد ربه منصور هادى عاصمة مؤقتة، وكان الأمير محمد بن سلمان قد زار قبل أيام القيادة الجنوبية للقوات السعودية وتفقد استعداداتها العسكرية فى خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام بين المتابعين، لكن أحدًا لم يستطع التكهن بما هو قادم على ضوء تطورات الأوضاع فى اليمن، ولم يتوقع أحد من الأطراف الإقليمية أن هناك عملًا عربيًا مشتركًا يتم الإعداد له فى سرية كاملة وفى سرعة ألجمت الجميع من المفاجأة.
الكواليس الوحيدة التى يمكن استنتاجها من تطور الأحداث أن السعودية قد ضغطت على الولايات المتحدة الأمريكية لقبولها الأمر الواقع، وهو أن السعودية ستتحرك داخل منظومة عربية لإنقاذ اليمن من السقوط فى قبضة إيران من خلال حلفائها هناك الحوثيون وعلى عبدالله صالح، وبدا الضغط السعودى جادًا وحاسمًا مما أرغم أمريكا على قبول الوضع رغم أنه يقلب لها حساباتها رأسًا على عقب، فقامت أمريكا بسحب آخر قوات لديها باليمن من داخل «قاعدة العند» بجوار عدن ويقدرون بنحو «300 جندى مارينز» وهو ما فسر وقتها بأنها تفسح الطريق أمام التقدم الحوثى نحو العاصمة عدن، لكن أمريكا تحركت صاغرة عندما بدا أن التحرك الخليجى لن يقف مكتوف الأيدى خاصة عندما وصلت أمريكا أيضًا معلومات عن مشاركات عربية من خارج الخليج تتأهب وتنسق مع السعودية، أبرز وأهم تلك الدول بالطبع هى مصر والأردن ولم تملك أمريكا أن تتدخل مع كليهما فلزمت الصمت التام واستجابت للطلب السعودى المباشر.
مصر تدخلت فى هذا الأمر من منطلقات عديدة ليست خافية على أحد، فأمن البحر الأحمر لا يقبل مساومة لديها خاصة مع مشاريعها المستقبلية حول منطقة قناة السويس وليس المجرى الملاحى فقط، وتوازنات القوى داخل الإقليم مصر فى القلب منه دون تردد أو شك فى ظل المطامع السافرة لدول الجوار «إيران تركيا» لوراثة مقدرات الدول العربية، فأى حديث عن تورط أو جر لمصر فى شأن لا يعنيها هى رؤية قاصرة تخل كثيرًا بالمشهد وبتطورات الأحداث، فمصر الرسمية بأجهزتها المعنية قادرة على وضع تصورات وتقديرات موقف من الدقة ما يجعل خطوتها صحيحة تمامًا ولا لبس فيها، ولا تقبل تأويلات أخرى تحاول أن تأخذ الأمر بعيدًا عن حقيقته التى تدار فى الإقليم دون انتظار تردد من أحد.